صديقي عامرسلام لك وسلام عليك

صديقي عامر..سلام لك وسلام عليك

صديقي عامر..سلام لك وسلام عليك

 تونس اليوم -

صديقي عامرسلام لك وسلام عليك

بقلم - عريب الرنتاوي

تعود علاقتي به لثلاثة أعوام خلت، لكنني أشعر بأنني أعرفه منذ دهر، فهو قريب إلى القلب، سلس اللسان وسهل المعشر، نقي السريرة، ابتسامته لا تفارقه طوال الوقت، صديق الكبار والصغار، محبوب من كل من عرفه وعمل معه وجاوره، تجتمع حول موائده وجلساته الممتعة، مختلف العرقيات والأقوام والأولوان وصنوف البشر ... إنه عامر عثمان عدي.

في الزيارة الأخيرة لكليفلاند، انتظرته في بيت صديقي العزيز محمود البرغوثي، الذي أجرى وزوجته الرائعة رنا عبد الله، كل ما يلزم لقضاء سهرة مفيدة وممتعة، وبحضور حشد من الأهل والأصدقاء من أبناء الجاليات العربية، سيما الفلسطينية والأردنية، بيد أنه لم يأت، والسبب كما أبلغنا لاحقاً، أنه منهمك في سلسلة من اللقاءات مع نشطاء وقادة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وعضو الكونغرس تيم رايان الذي يتولى الدفاع عن قضيته، في مواجهة قرار إبعاد جائر، تم ترحيل تنفيذه سنة بعد أخرى، ولمدة ثلاثين عاماً فقط، تزوج خلالها من فداء الأمريكية من أصل فلسطيني، وكون معها أسرة متحابة ومحبوبة، وأدار أعمالاً تجارية ناجحة واقام شبكة علاقات مع المجتمع المحلي، أهلته فعلاً لحمل لقب بطل مدينة «يونغستاون».

والمدينة المذكورة تبعد ساعة ونصف الساعة بالسيارة عن كليفلاند، ودرجة الحرارة فيها زادت عن 20 درجة مئوية تحت الصفر ... لم يمنعنا ذلك من الذهاب إليه لإبداء التضامن معه في محنته، وشد أزر أسرته وأصدقائه، بعد أن كان قد أتم طواعية، كافة إجراءات سفره إلى الأردن، في السابع من الشهر الجاري، واتخذ ما يلزم لتصفية أعماله وتسليم منزله، قبل أن يأتيه الخبر السعيد صبيحة اليوم التالي، بأن إجراءات تسفيره قد أوقفت، وأن عليه أن يراجع دائرة الهجرة والحدود، لنزع السوار الذي يحيط بإحدى قدميه، ويشرع في متابعة قضيته لدى الجهات المختصة.

حرّك الخبر موجة فرح عام في أوساط الجاليات العربية والعشرات من أصدقائه من بيض أمريكا وسودها والمتحدرين من أصول آسيوية ولاتينية على السواء ... فتقرر أن نعود إلى «يونغستاون» ثانية، ولكن للاحتفال هذه المرة، وليس للمواساة والتضامن ... فإذا بقاعة النادي العربي الفلسطيني في المدينة تغص بالمئات من المحتفلين بإنصاف عامر، يتقدمهم «الديمقراطي» تيم راين ورئيسة الحزب الجمهوري في المدينة وعمدتها المنتخب حديثاً، وعشرات المواطنين والشخصيات من «شتى المنابت والأصول»، بدا أن العدالة الأمريكية بخير، وأن «السيستم» ما زال يعمل، على الرغم من المواقف الهوجاء، الفوّاحة برائحة العنصرية ، التي تهب بين الحين والآخر من البيت الأبيض وساكنه الجديد.

ذكرني الحشد الشعبي بالمهرجانات الكبرى التي كانت تنظمها فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية في مراحل صعودها وحفلات كبار الفنانين والنجوم، وتوالى على المنصة عدد كبير من المتحدثين، من كل حدب وصوب، وجاء الفرحون من ولايات مجاورة، رغم قساوة الطقس وسرعة الترتيب للحفل الجماهيري ... وما أن انتهينا من الجانب الرسمي للاحتفال، حتى ضاقت قاعة المطعم الذي يمتلكه عامر، بالمحتفلين حتى ساعة متأخرة من تلك الليلة الباردة.

في السادس عشر من الجاري، كان صديقي عامر على موعد في دائرة الهجرة والحدود، لاستكمال ما وعِدَ به، قبل أن يكتشف بأن وقع «فخ» محكم، وأنه بات سجيناً ينتظر الترحيل، غير مسموح له بإجراء أكثر من مكالمة واحدة يومياً، وممنوع من زيارة أحد غير زوجته وبناته، فقرر المواجهة، ملتجئاً إلى السلاح الوحيد الذي يتوفر عليه السجين: الإضراب عن الطعام، وهو ما زال مضرباً عن الطعام حتى اليوم، ويتنقل من سجن إلى آخر، وفي ظروف، لم نعتقد أن هناك مثلها في السجون الأمريكية.

عامر، الأردني من أصل فلسطيني، ذهب إلى الولايات المتحدة قبل أن يكمل السابعة عشرة من عمره، بحثاً عن فرصة للتعليم والعمل، وكغيره من عشرات الشبان الفلسطينيين والعرب، تزوج بأول أمريكية صادفها، قبل أن تتحول زيجته إلى سبب لترحيله لعدم اكتمال الإجراءات، وبعد أن تزوج من الفاضلة فداء، الزوجة النشطة والمحبة والمحبوبة من الجميع، وشريكته في مشوار حياته، سُحبت منه «بطاقة إقامته الدائمة»، منذ تلك الأزمنة الغابرة، وهو يقضي وأسرته أوقاتهم في بلاد الفرص الوفيرة، تحت سيف الترحيل والإبعاد.

عامر يريد أن يبقى في الولايات المتحدة، بين أهله ومحبيه وأصدقائه الكثر، وقد ناقشته في فرص ترشحه للانتخابات المقبلة في المدينة، بعد أن رأيت الجموع الملتفة من حوله، والتي لم تهدأ ولم تستكن منذ إلقاء القبض عليه واحتجازه، بل وقبل ذلك، منذ إبلاغه بأن ما كان يحصل عليه من تسهيلات وتمديدات زمن الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتلاحقة، لن يحصل عليه في عهد ترامب، لكأن عامر، رجل الأعمال الناجح، وصديق الجميع في البلدة، هو الحائل دون أن تصبح أميركا عظيمة ثانيةً.

لكن عائلة عامر، وهي تتابع ظروف اعتقاله السيئة وتدهور حالته الصحية جراء الإضراب المتواصل عن الطعام، لا تمانع في أن يجري ترحيله لتخليصه من معاناته، مع أنها تتمنى أكثر من غيرها، في أن يبقى بينها، وألا يتشتت شملها، وألا تنتزع من بيئتها وذكرياتها ومئات الأصدقاء من حولها، وألا تهدم حياة كاملة، امتدت لثلاثين عاماً حافلة بالنجاحات والإنجازات.
نتمنى أن تأخذ العدالة مجراها في الولايات المتحدة، وأن يعاود «السيستم» عمله دونما عرقلة وعنصرية، مثلما نتمنى على الحكومة الأردنية ووزارة الخارجية، أن تتابع ملف أحد أبنائها، الذي يفخر كل من عرفه بصداقته، ويعتز كل من عاشره بأخلاقه وطيبته وإنسانيته.

المصدر:جريدة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صديقي عامرسلام لك وسلام عليك صديقي عامرسلام لك وسلام عليك



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia