صوت فيروز العابر لخرائط المذاهب ومتاريس أمراء الحرب

صوت فيروز العابر لخرائط المذاهب ومتاريس أمراء الحرب

صوت فيروز العابر لخرائط المذاهب ومتاريس أمراء الحرب

 تونس اليوم -

صوت فيروز العابر لخرائط المذاهب ومتاريس أمراء الحرب

عريب الرنتاوي

انقسم اللبنانيون على أنفسهم طيلة سنيّ الحرب الأهلية المديدة، لم يتفقوا حول أي شيء، سوى الليرة والبنك المركزي وصوت فيروز ... جيشهم انقسم إلى ثلاثة جيوش ... وحكومتهم توزعت إلى حكومات وإدارات مدنية متعددة، تمارس تحت ظلالها، مختلف الطوائف، مختلف أشكال "السيادة"، ودائما تحت رعاية أمراء الحرب وأثريائها. الصورة هذه الأيام تبدو أكثر قتامة، ولولا استمرار الجيش كتلة موحدة حتى الآن، لتوزع اللبنانيون إلى كانتونات وإدارات مدنية، يفصل بعضها ببعضها الآخر، متاريس التراشق بالنار والمدافع والاتهامات ... الأجهزة الأمنية موّزعة الولاءات والانتماءات ... والبلد يدار برئيس حكومة مكلف وآخر مستقيل، يصرف الأعمال، والبرلمان معطل حتى إشعار آخر، أما "كرسيّ" الرئاسة في بعبدا، فمهدد بفراغ قريب، إن سقطت حيل "التمديد" و"التجديد" التي طالما عانى منها عالمنا العربي، معطوفة على "التوريث" بالطبع. صوت فيروز الذي صمد طيلة سنوات الحرب، وظل عابراً للحواجز المتاريس والطوائف والأحزاب والمذاهب، ما حدا بالشاعر محمود درويش للقول في قصيدته بيروت: "وصوت فيروز الموّزع بالتساوي بين طائفتين ... يرشدنا إلى ما يجعل الأعداء عائلةً" ...صوت فيروز هذا، بات اليوم موضع شقاق واحتراب، أما لبنان فما زال منذ تلك القصيدة "انتظار بين مرحلتين في تاريخنا الدموي" وقد ضاق الطريق. ممنوع على الصوت المثقف أن يبدي رأياً أو أن يعبر عن موقف أو إحساس أو شعور ... ذنب فيروز أنها عبرت عن "عطف ومودة" للسيد حسن نصر الله، أسرت به لأهل بيتها الذين باحوا به إلى الإعلام، من خلال مقابلة لنجلها زياد الرحباني ... سبب كافً لإقامة الدنيا من دون إقعادها أو تقعيدها ... فالحملة على السيدة فيروز، لم تتوقف منذ أن ذاع "سرّها"، وقد بلغت أسفل درك من الإسفاف و"اللامعقول". مع أن السيدة التي غنت للقدس والشآم وطفل المغارة، حريٌ بها أن تقف إلى جانب مقاومة الشعب اللبناني للاحتلال الإسرائيلي وهي التي مجدّت مقاومة الشعب الفلسطيني وبطولات أبنائه ... فيروز لم تتغير مذ أن غنت سعيد عقل: "ظمئ الشرق فيا شام اسكبي ... واملئي الكأس له حتى الجمام ... أهلك التاريخ من فضلتهم ... ذكرهم في عروة الدهر وسام ... أمويون فإن ضقت بهم ... ألحقوا الدنيا ببستان هشام" ... الآخرون هم الذين تغيروا، بمن فيهم الشاعر صاحب الكلمات المثيرة للقشعريرة القومية في العروق، ومنتقدو السيدة فيروز هذه الأيام، هم من نقلوا بنادقهم من خنادق اليسار والحركة الوطنية إلى مواقع "الوهابية" و"البترودولار" و"صفقات البيزنيس". لا أظن السيدة فيروز، وهي تتابع الجدل حولها، تظن أن عاقلاً يصدق أنها داعمة لحروب الطوائف والمذاهب، وهذا ينطق على بعض سلوكيات حزب الله بمثل ما ينطبق على سلوكيات وأدبيات آخرين على الضفة المقابلة ... ولا أظنها وهي تتبع أخبار "الشام"، تبدي ارتياحاً لحرب البراميل المتفجرة فوق أرض حلب وفي سمائها ... بيد أنها بالقطع، ليس حليفاً لـ "داعش" و"النصرة" و"الجبهة الإسلامية"، وكل من ينسجون على أنوال "الجهاد" بأنواعه في سوريا ولبنان، وضد كل السوريين وكل اللبنانيين. لبنان انتظار بين مرحلتين داميتين في تاريخنا، وشعار "القوم" من ليس معنا فهو ضدنا بالضرورة والتعريف، والمقصود بـ"معنا"، مائة بالمائة من التأييد والانحياز، وأقل من ذلك بكثير أو قليل، يبقيك في دائرة الاتهام والتآمر والخروج على الملّة والزندقة ... لذا لم تتسع صدور القوم، لهمسة باحت بها السيدة الجميلة، ربما في زمن آخر، زمن التفرغ الكامل لمقاومة الاحتلال، وقبل الوقوع في أفخاخ المذاهب وزواريبها، وحروب الآخرين في سوريا وعليها. على أية حال، فيروز قامة فنية وثقافية وجمالية عالية، وأعلى من أن تطالها سهام الحقد المذهبي والطائفي، وهي أكبر أن تحشر في زواريب وحارات أمراء الحرب القدامى والجدد، وأعصى من أن تطوع لسطوة المال المخضّب برائحة البنزين ... فيروز أيقونة ميلادية، ستظل ترانيمها تملأ مسامات الروح والقلب، مهما علا أزيز رصاص الغدر، ومهما ارتفع ضجيج من أفقدهم حقدهم وفئويتهم نعمة البصر والبصيرة.  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صوت فيروز العابر لخرائط المذاهب ومتاريس أمراء الحرب صوت فيروز العابر لخرائط المذاهب ومتاريس أمراء الحرب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia