تجربة إيران مع الإصلاحيينالثالثة ثابتة

تجربة إيران مع الإصلاحيين..."الثالثة ثابتة"

تجربة إيران مع الإصلاحيين..."الثالثة ثابتة"

 تونس اليوم -

تجربة إيران مع الإصلاحيينالثالثة ثابتة

عريب الرنتاوي

بم يختلف حسن روحاني عن سابقيه الإصلاحيين: هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي؟ بالنسبة لبعض كتاب الخليج ومفكريه، لا فوارق ولا اختلاف، "هذه الطينة من تلك العجينة"، وما يجري في إيران ليس سوى عملية "تبادل أدوار" معدة سلفاً، يضبط إيقاعها مايسترو واحد، هو "الوليّ الفقيه"، وأن دول الخليج العربية التي لُدغت من الجحر الإيراني مرتين (رفسنجاني وخاتمي)، يتعين عليها أن تحذر اللدغة الثالثة، فـ"فالثالثة ثابتة" كما كنّا نقول صغاراً، ومن على هذه الأرضية، يجري التحذير من مغبة الاستجابة لليد الإيرانية الممدودة على استقامتها منذ التوقيع على "اتفاق النووي". هي قراءة مبنية على الهواجس والمخاوف والظنون، "لا تاريخية" بامتياز، تنظر لإيران ككتلة صماء و"معطى ثابت" خارج سياقات الزمان والمكان، وهي إذ تأخذ شكل النصيحة لصناع القرار، إلا أنها في الواقع، رجع صدى لما يدور في كواليس مؤسسات صنع القرار، ومحاولة لإضفاء طابع تحليلي/ تنظيري لقرارات لا عقلانية، تصدر في لحظة تخبط وانعزال، حتى لا نقول في لحظة يأس وإحباط وكنتيجة لإحساس عميق بـ “الخذلان" وتبدد الأوهام والرهانات. قد لا يختلف روحاني عن سلفيه الإصلاحيين، رفسنجاني وخاتمي، من حيث التكوين الشخصي والرؤى ومناهج التفكير، والأرجح أن الأخير (خاتمي تحديداً)، كان أكثر انفتاحاً وإصلاحية من روحاني، بما له من خلفيات أكاديمية وثقافية، وبالنظر لتجربته الراقية في مسألة حوار الأديان وتثاقف الحضارات وتلاقحها ... لكن كل رجل من هؤلاء الرجال الثلاثة، هو وليد سياقاته الخاصة، إيرانياً وإقليميا ودولياً، والأرجح أن حدود قدرته على التأثر والتأثير، إنما تخضع لهذه السياقات تحديداً ... وما تغير في إيران واختلف، هو الشرط المحيط برئاسة كل منهم، مما لا يمكن اختزاله بنوايا الأشخاص وهوياتهم. العقد الأول للجمهورية الإسلامية، كان عقد الاضطراب والقلاقل وحرب الثماني سنوات مع العراق، وبين عامي 1979 و1989، استهلكت إيران ثلاث رؤساء: الأول بالخلع وقبل أن يقضي 16 شهراً من ولايته (أبو الحسن بني صدر)، والثاني قضى بحقيبة مفخخة أودت به وبوزرائه قبل ان يتم شهراً واحداً من ولايته (محمد علي رجائي) والثالث، قاد إيران تحت ظل الإمام الخميني في حرب السنوات الثماني مع العراق (على خامنئي) قبل أن يخلف مؤسس الجمهورية في مواقعه ومناصبه. ربع القرن الأخير في عمر الثورة الإسلامية في إيران، اتسم باستقرار النظام السياسي، ثلاثة رؤساء تعاقبوا على الجمهورية، قضى كل منهم ولايتين متعاقبتين، اثنان منهما (رفسنجاني وخاتمي) محسوبين على "التيار الإصلاحي" والثالث (نجاد) على "التيار المحافظ"، وصولاً قبل أشهر قلائل لحسن روحاني الذي يدور بشأن توجهاته، جدل ولغط كبيرين. لكن الرئيسين الإصلاحيين جاءا في ظروف غير مواتية، يصعب معها الحكم على صدق السريرة وجدية النوايا ... رفسنجاني تسلم الولاية في مختتم حربين ضروسين: الأولى، مع العراق، وقد خرجت منها إيران مثقلة بالخراب والدمار، وقفت خلالها معظم دول الخليج والعالم العربي، خلف الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ... أما الثانية، فكانت الحرب الباردة التي خرج منها الاتحاد السوفياتي ومعسكره مهزومين شر هزيمة، تفكك الاتحاد السوفياتي وانهار المعسكر الاشتراكي، وبلغت روسيا أسفل درك في الاقتصاد كما في السياسة والأدوار العالمية، وتفردت أمريكا بزعامة العالم، ووضعت إيران في صدارة استهدافاتها، كدولة قائدة لـ"محور الشر" ... ولم يكن رفسنجاني ليكمل العام الأول من رئاسته، حتى كانت الأساطيل الأمريكية ترابط قبالة سواحل بلاده، لاسترجاع الكويت وضرب نظام الرئيس العراقي وإدخال العراق في نفق العقوبات الدولية، واعتماد سياسة "الاحتواء المزدوج" لكل من العراق وإيران. أما خاتمي، فقد شهدت الأسابيع الأولى لولايته الثانية أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحرب أفغانستان وسقوط بغداد وانتعاش نظرية "الشرق الأوسط الكبير والجديد"، ووجدت إيران نفسها دولة حدودية مع الولايات المتحدة، شرقاً وغرباً، وعلت أصوات المحافظين الجدد التي تبشر بصدام الحضارات وتدعو لمد جسور "الغزو الأمريكي للعراق" لضرب محور بأكمله، يبدأ بطهران ولا ينتهي بدمشق وضاحية بيروت الجنوبية، وقع اغتيال الحريري ودفعت دمشق الثمن باهظاً من كيس وجودها في لبنان ودورها الإقليمي، وخسرت إيران بالتبعية. لكن الرياح لم تهب كما تشتهي سفن واشنطن ومحافظيها الجدد والقدامى، فعام 2005 بدأ يشهد بداية الانكفاء الأمريكي في العراق وأفغانستان، وتحول الحضور الأمريكي الكثيف في المنطقة، إلى ما يشبه "الفراغ"، وسعت إيران في ملء هذا الفراغ، معتمدة على حلف متين مع سوريا وحزب الله وحماس، وبلغ الدور الإيراني ضفاف الصراع العربي الإسرائيلي، من جنوب لبنان إلى جنوب فلسطين، نجح حزب الله في حرب تموز عام 2006، وفازت حماس في انتخابات 2006 في فلسطين، وانتقل العراق إلى ولاية أصدقاء إيران وحلفائها، وظهرت مقولة الهلال الشيعي، كل ذلك قبل أن تهب رياح التغيير في العالم العربي، التي أتت على بعض أهم ركائز النفوذ الأمريكي في المنطقة: نظام مبارك ... صعد أحمد نجاد ومحافظي إيران بعد ستة عشر عاماً من مراوحة الإصلاحيين في الحكم، من دون تقدم يذكر على صعيد جبه التحديات التي تواجه إيران، وتعزز دور هؤلاء بهزائم واشنطن في المنطقة، وزحف إيران وحلفائها لملء فراغها. صعود نجم إيران في سماء المنطقة وفضاءاتها، تزامن مع تشديد قبضة العقوبات الدولية على طهران التي لم تضمد بعد جراحات حرب الثماني السنوات ... بدا أن ثمة حدود لما يمكن لإيران أن تحتمله، وبدا أيضاَ وتزامناً، أن القوى الكبرى سئمت لعبة "الحروب الدائمة" في الشرق الأوسط الكبير، بل وأعجز عن الاستمرار بها ... بدت "الروحانية" تعبيراً عن حاجة إيران (لا الإصلاحيين وحدهم) للخروج من عنق زجاجة الحصار، وبدا الاتفاق النووي مع إيران، حاجة غربية لتفادي المزيد من الحروب العبثية المكلفة والخاسرة حكماً ... بدا لأول مرة منذ انتصار الثورة الإيرانية، ان ثمة توافقاً أو بالأحرى تزامناً وتوازياً في الرغبات والإرادات والمصالح، فصار المستحيل ممكناً، والتوافق خياراً، والتفاوض بديلاً توافقياً عن "حروب الوكالة" ... بدا أن للروحانية نصيب من النجاح لم تتوفر عليه "الرفسنجانية" ولا "الخاتمية" ... المسألة ليست في الأشخاص، المسألة في السياقات، ولأول مرة يتوفر سياق لخروج إيران من شرنقة الثورة والعزلة إلى فضاءات الدولة والاندماج وإعادة التأهيل ... لأول مرة قد نصدق بأن "الثالثة ثابتة".  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجربة إيران مع الإصلاحيينالثالثة ثابتة تجربة إيران مع الإصلاحيينالثالثة ثابتة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 14:26 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت الخميس29-10-2020

GMT 14:52 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 18:06 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 18:37 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 09:37 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

إليك وجهات سياحية رخيصة يمكن السفر إليها في بداية العام

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 22:42 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

هاني شاكر يشارك جمهوره أول أغنية له في 2021 "كيف بتنسى"
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia