لحظة انعطاف تاريخية

لحظة انعطاف تاريخية

لحظة انعطاف تاريخية

 تونس اليوم -

لحظة انعطاف تاريخية

عريب الرنتاوي

    بعد ثلث قرن من القطيعة، وعشر سنوات من التأزم حول برنامجها النووي، وقعت إيران مع دول مجموعة "5 + 1" اتفاقاً مرحلياً، يقضي بتجميد أنشطة إيران النووي، ووقف التخصيب فوق خط 5 بالمائة، وفتح المنشآت الإيرانية النووية للتفتيش الدولي، مقابل الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة، ورفع الحظر جزئياً عن الصناعات النفطية والبتروكيماوية والمصارف الإيرانية. لا نعرف بعد الكثير عن الاتفاق الذي قيل إنه يتألف من 15 صفحة، لكن ما تم إيراده من معلومات و"تسريبات" عبر وسائل الإعلام "المُستنفرة" لتغطية "لحظة الانعطاف التاريخية"، يكفي للقول بأن اختراقا نوعيا قد وقع في علاقات إيران مع الغرب، وأن هذا الاتفاق، إن أحسن الطرفان تنفيذه، سيقود إلى سلسلة من الاتفاقات اللاحقة، وأن صفحة جديدة قد فتحت في علاقات طهران مع واشنطن والعواصم الأوروبية. الاتفاق الذي أنجز بعد أسابيع من التعطيل والممانعة الفرنسيين، لاقى ارتياحاً دولياً واسعاً، لم تشذ عنه سوى إسرائيل وبعض الدول الخليجية، ولكل منها أسبابه وأولوياته الخاصة ... بالنسبة لإسرائيل، لا يوجد اتفاق جيّد مع إيران، إن لم يشتمل على استئصال قدرات إيران النووية والعلمية والمعرفية تماماً ... أما بالنسبة لدول الخليج (بعضها على الأقل) وبالأخص السعودية، فإن البرنامج النووي الإيراني ليس سوى واحداً من مباعث القلق والتحسب، وربما ليس أهمها أو أكثرها خطورة، فالرياض تحديداً تخشى "الدور الإقليمي" لطهران أكثر من خشيتها لقنبلتها النووية. على أية حال، ليست هناك قوة إقليمية أو دولية قادرة على وقف اندفاعة قطار التقارب الإيراني – الغربي، صحيح أن معارضي الاتفاق الذين فشلوا في منع التوصل إليه، سيحاولون عرقلة تنفيذه، بيد أن الصحيح كذلك، أن الاتفاق بات "حاجة" و"مصلحة" للدول التي أبرمته، فلا الغرب راغبٌ، أو قادرٌ إن هو رغب، على إشعال أتون ثالث حرب كبرى في الشرق الأوسط الكبير في غضون عشرة أعوام، ولا إيران قادرة على احتمال وطأة العقوبات الدولية التي شلت قدراتها الاقتصادية ومسّت حياة كل مواطن على أرضها، والأرجح أن الجانبين سيذهبان إلى تنفيذ الاتفاق، بذات الحماسة التي جعلت توقيعها عليه، أمراً ممكناً. بحسابات الربح والخسارة، يمكن القول إن الاتفاق يعكس بدقة معادلة "رابح – رابح" في العلاقات الدولية، وسيكون بمقدور موقعيه العمل على تسويغه وتسويقه في مواجهة خصوم أشداء من محافظين ومتشددين في طهران وواشنطن وباريس ولندن ... إيران سيكون بمقدورها الادعاء بأنها انتزعت "نصر" الاعتراف الدولي بحقها في التخصيب، وإن تحت سقف الـ5 بالمائة، وفي ظل إشراف وتفتيش دوليين دؤوبين ... والغرب سيكون بمقدوره الادعاء بأن نجح في كبح جماح طموحات إيرانية النووية، وأن برنامجها المثير للقلق بات تحت أعين المراقبين الدوليين وسيطرة الوكالة الدولية للطاقة النووية. بالنسبة للبعض من عرب المنطقة، فإن الاتفاق سيطلق يد إيران في الإقليم ... وسيخرج طهران من شرنقة العقوبات التي أضعفت اقتصادها وخزانتها، وان عناصر الاقتدار الإضافية التي ستتمتع بها طهران، سوف تسعفها في تعزيز دورها العابر لحدودها شرقاً وغرباً وفي كل الاتجاهات، وهذا أمر مقلق من منظور الانقسام المذهبي في المنطقة وصراعات المحاور والأدوار التي تنخرط فيها معظم عواصم الإقليم، ولعل هذا هو ما يفسر قول مسؤول سعودي "بأن المنطقة سيجافيها النوم بعد إبرام هذا الاتفاق" أما بالنسبة لإسرائيل، فإن الاتفاق عُدّ بمثابة خبر سيء، يستدعي "الحداد" لا "الاحتفال" على حد تعبير مسؤول إسرائيلي، وهذا مفهوم من زاوية "نظرية الأمن الإسرائيلية" التي يسعى القائمون على ترجمتها إلى "استئصال" البرنامج النووي الإيراني، وتجفيف منابع المعرفة النووية والتكنولوجية الإيرانية، حتى وإن تطلب الأمر، إخضاع ثمانين مليون إيران للتخلف والجهل والفقر و"الظلام". على أية حالة، مواقف معارضي الاتفاق لن تجدي نفعاً، وهم يدركون ذلك تمام الإدراك، ولذلك نرى ارتفاعاً ملحوظاً في "منسوب" العصبية والانفعال اللذان تعكسهما تصريحات مسؤوليهم، المُعلنين والمُضمرين، سيما وان الغرب أدرك أن ثمة فرصة لاستعادة مصالحه في إيران، تفوق في أهميتها "مخاوف" الخائفين، وحسابات "المُتحسّبين، وأن رهان أغلب العواصم الغربية إنما ينطلق اليوم مما يمكن تسميته بـ"الديناميكيات الجديدة" في العلاقات الإقليمية والدولية التي سيطلقها الاتفاق الجديد، والتي قد تشتمل على إعادة تموضع إيران في كثير من أزمات المنطقة وتحالفاتها، وإعادة رسم دورها بوصفها جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة ... وسوف يكون للاتفاق الجديد أثراً إيجابياً على فرض "الحل السياسي" للأزمة السورية، كما ستكون له تداعياته الفلسطينية وغيرها من أزمات المنطقة، مما سنتناوله في قادمات الأيام.  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لحظة انعطاف تاريخية لحظة انعطاف تاريخية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia