عريب الرنتاوي
كان من المنتظر أن تنتهي اجتماعات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النووية، ببيان يدين إيران لانسحابها من البرتوكول الإضافي، ويدعوها لتقديم مزيد من الإجابات والتوضيحات لأسئلة الوكالة حول بعض برامج تخصيب اليورانيوم غير المصرح عنها...وقفت فرنسا و بريطانيا وألمانيا، خلف هذه المحاولة، وبضوء أخضر أمريكي، قبل أن يطرأ ما ليس في الحسبان، وتتحول فيينا التي احتضنت الاتفاق في العام 2015، إلى "فرصة" لاستنقاذ هذا الاتفاق في 2021.
في الأنباء أن جهداً ديبلوماسياً كثيفاً، بُذِل من خلف الأبواب، وأن مفاوضات أمريكية – إيرانية قد انتهت إلى "تفاهمات" جديدة، دفعت واشنطن للطلب إلى حليفاتها الأوروبيات الثلاث، سحب مشروع قرارها (بيانها)، فتصل الاجتماعات التي كان متوقعاً لها، أن تكون عاصفة، وتصب مزيداً من الزيت على نار الأزمة المحتدمة بين طهران وواشنطن، إلى خواتيم سعيدة.
لا نعرف من قاد هذه الوساطات، ولا من حرّك ديبلوماسية اللحظة الأخيرة، ولا ندري إن كان الأمريكيون والإيرانيون قد انخرطوا في مفاوضات مباشرة، أو عبر طرف ثالث…المهم أن الجميع عاد من فيينا مرتاحاً، والأرجح أنه وجد متسعاً للتنزه والثرثرة على ضفاف الدانوب الأزرق.
واشنطن عبرت عن ارتياحها جراء ما لمسته من رغبة إيرانية في العودة للتفاوض في إطار مجموعة "5+1"...إيران عبرت عن الأمل بتوفر فسحة إضافية للأطراف للوفاء بالتزاماتها…موسكو، غير البعيدة عن هذا الملف، عبرت عن سعادتها بإعادة الاعتبار للديبلوماسية…تباينت المفردات وتفاوتت درجات حرارتها، لكن النتيجة واحدة: للديبلوماسية فرصة ثانية في فيينا.
لا معلومات كافية حتى الآن، تكشف حقيقة وتفاصيل ما جرى، لكن وفقاً للمصادر، فإن تفاهمات حول خطوات متبادلة، جزئية وليست شاملة، ربما يكون قد أمكن التوصل إليها...إيران، طلبت الوصول إلى اتفاق الجداول الزمنية لرفع العقوبات عنها قبل الجلوس على مائدة "5+1"، والأمريكيون يريدون إلى جانب عودة طهران للمفاوضات، جداول زمنية للعودة عن انتهاكاتها لبنود الاتفاق المذكور...وبقية الأطراف تريد لهذا الملف أن يغلق، وفي أسرع فرصة ممكنة...التزامن والتبادل والتدرج، هي "كلمات السر" السحرية على ما يبدو، التي نقلت الأطراف من مواجهة ديبلوماسية ساخنة في فيينا، كان من الممكن أن تنتقل إلى أروقة مجلس الأمن في نيويورك، إلى محاولة "تجريب" فرصة السير على هذا الحبل المشدود.
لا يعني ذلك، أن الدرب قد بات مفتوحاً بلا عوائق، على طريق عودة الأطراف للاتفاق، أو أن شقة الخلاف بين واشنطن وطهران، قد جرى تجسيرها...ثمة الكثير من الجهد السياسي والديبلوماسي و"التقني" الذي سيتعين بذله، قبل إطلاق العنان للتقديرات المتفائلة التي تسربت بحذر وتواضع، في سماوات العاصمة النمساوية.
ما يعزز هذا التقدير، أن رئيس وكالة الطاقة النووية، سارع للكشف عن تفاهم مع طهران، على لقاءات فنية رفيعة، ستجري في العاصمة الإيرانية الشهر المقبل، لسد الثغرات والفراغات في تقارير الوكالة، وتمكينها من الحصول على ما تريد أن تحصل عليه، من معلومات عن التطورات الأخيرة على البرنامج النووي لإيران…مثل هذا الانفراج بين الوكالة وإيران، ما كان ليحدث في ظل انسدادٍ بين الأخيرة والولايات المتحدة.
ما الذي جرى الاتفاق عليه، وكيف يمكن تطويره، وما الجدول الزمني لفعل ذلك؟ …أسئلة عالقة برسم المستقبل، لكن المرجح أن "الديبلوماسية" و"التعددية" اللتان "بشّر" بهما بايدن، كركيزتين أساسيتين لسياسته الخارجية، قد خاضتا اختبارها الأول، وبنجاح.