الحاجة لإعادة تعريف «ميزتنا النسبية»

الحاجة لإعادة تعريف «ميزتنا النسبية»

الحاجة لإعادة تعريف «ميزتنا النسبية»

 تونس اليوم -

الحاجة لإعادة تعريف «ميزتنا النسبية»

بقلم - عريب الرنتاوي

ليس في الأفق ما يدعو للتفاؤل بإمكانية إعادة بناء النظام العربي، نظام جامعة الدول العربية من جديد ... فكلما خلص هذا النظام من مشكلة هنا، انفجرت في وجهه مشكلة هناك ... ومعظم الدول العربية، الفاعلة منها والصغيرة، أخذت منذ زمن، تبحث لنفسها عن إطار إقليمي – دولي تتحرك من خلاله وفي إطاره، وعلينا أن نأخذ أمراً كهذا بنظر الاعتبار، ونحن نصوغ سياستنا الخارجية في بعديها الإقليمي والدولي.
لقد تبدلت الدول، وتبدلت معها كثير من القواعد الناظمة للعلاقة الإقليمية والدولية ... لقد تغيرت أوزان الدول بتغير وظائفها، وتبدل «الميزة النسبية» التي طالما تمتعت بها ... وما كان يصلح من قبل، لم يعد بالضرورة صالحاً اليوم، وما لم تعيد الدولة النظر «تعريف» نفسها وأدوارها ووظائفها وميزاتها النسبية، فإنها لن تنجح في الاستمرار بقطف ثمار كانت تجنيها في السابق، أو في الدخول بقوة عتبة النظام الجديد أو بالأحرى، 
«اللا نظام» الذي يحكم العلاقات الإقليمية على نحو خاص.
الأردن بموقعه الجيوبولوتيكي، نجح لسنوات وعقود، في تحويل «نقمة الجغرافيا» إلى «نعمة» ... لكن ذلك حصل لأسباب عديدة، أهمها: أنه نجح في بناء دولة كفؤة وفاعلة، مؤسسية، تحديداً في الجانبين الأمني والعسكري، وشيّد نظام إدارة مدنيا استجاب لاحتياجات مواطنيه ... تقدم في مجال التعليم والمهن، وتوفر على عناصر القوة الناعمة التي تحتاجها أي دولة، ومكّنته نجاحاته هذه، من تصدير هذه الخبرات، والقيام بأدوار لطالما احتاجتها دول شقيقة ناشئة.
صدّر الأردن مئات ألوف العاملين إلى الدول النفطية، واستفاد من تحويلات بمليارات الدولارات سنوياً... وبالنظر لكفاءة ومهنية أجهزته الأمنية والعسكرية، نجح في تلبية احتياجات عدد من هذه الدول، وترتب على ذلك، ارتفاع ملحوظ في مكانة الأردن على خريطة العلاقات العربية والإقليمية البينية.
وكان الصراع العربي – الإسرائيلي، مصدراً لدعم لا ينضب لـ «دول الطوق»، ومن بينها الأردن، يأتيها من «دول الإسناد»، بقرارات ملزمة وشبه ملزمة صدرت عن القمم العربية المتعاقبة ... ، وكان ذلك أيضاً مصدراً من مصادر «الأهمية» التي أسهمت في حفظ التقارب وتطوير العلاقات الثنائية والجماعية بين الأردن وجواره.
لم نستفد الاستفادة القصوى من تلك الحقبة، حقبة «الثورة النفطية»، وإن كنا لم نبدد عائداتها سدى بالكامل كما يقول البعض مبالغاً ومتطيراً، أقمنا شبكة طرق ونظام صحي وتعليمي وأوصلنا الماء والكهرباء إلى كل تجمع سكاني مهما ضؤل حجمه ... والأهم من ذلك، أن القطاع الخاص والأهلي، نجح في تحويل مليارات الدولارات من التحويلات، إلى مشاريع مدينة وسكنية وتجارية واستثمارية، لم تكن المدن الأردنية لتكون ما عليه اليوم من دونها ... بيد أن المؤكد أنه كان بمقدورنا أن نستفيد على نحو منهجي منظم، أكثر مما فعلنا، وأن نقود انتقالاً سلساً ومريحاً من دولة «الريع» إلى دولة الإنتاج، لو أننا توفرنا على الرؤية والإرادة.
المشهد الإقليمي تغير تماماً اليوم، وحاجة دول الجوار لنا تغيرت وتبدلت، وثمة من يجادل بأنها تناقصت على نحو جدي وكبير، ويستشهدون على ذلك بتناقص أموال الدعم، وهذا ما يفسر حالة البرودة والفتور التي تطبع العلاقات الأردنية مع عواصم شقيقة ومجاورة.
في مثل هذه المناخات، يتعين على الدولة بكافة مؤسساتها، أن تبحث عن خيارات وبدائل، وإن تتوقف مطولاً أمام أهم «ميزاتها النسبية» ... فالحاجة لخبراتنا في المجالات المدنية لم تعد كما كانت، سيما بعد تراجع مستوى التعليم والمهن والحرف في السنوات العشرين الفائتة في بلادنا.
يملي ذلك كله بحثاً معمقاً في سياساتنا الداخلية ... التعلمية والتدريبية والاجتماعية، مثلما يملي تفكيراً من خارج الصندوق في سياستنا الخارجية، ونظرة جديدة لأولويات علاقاتنا الخارجية وشبكة تحالفاتنا وشراكاتنا، وقواعد التحالف والشراكة ... يملي ذلك، بحث عن أسواق جديدة ومصادر جديدة لتبادلاتنا في شتى الميادين، سيما وأننا ندرك تمام الإدراك، أن أوزان القوى تبدلت وأولوياتها تتغير تبعاً لذلك، وكلما فعلنا ذلك على نحو أعمق وأسرع، كلما عظمنا الأرباح أو قللنا الخسائر على أقل تقدير.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحاجة لإعادة تعريف «ميزتنا النسبية» الحاجة لإعادة تعريف «ميزتنا النسبية»



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia