في وداع الإطفائي الأخير

في وداع "الإطفائي الأخير"

في وداع "الإطفائي الأخير"

 تونس اليوم -

في وداع الإطفائي الأخير

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

لم تساورنا الشكوك حيال المكانة الخاصة التي تمتع بها أمير دولة الكويت في أوساط شعبه والأمة العربية، بل وعلى الساحة الدولية، بيد أن ردود الأفعال على رحيله في السياسة والإعلام، وحالة الحزن والأسف التي عبرت عنها ملايين "البوستات" و"التغريدات" التي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي، كان بمثابة استفتاء على دور الرجل ومكانته الممتدة على مسافة أزيد من ستة عقود في حياته...لم يبق كثيرون من صنف هؤلاء القادة العرب على أية حال .
 
لست أدعي معرفة أو صداقة بالراحل الكبير، فقد التقيته مرة واحدة في حياتي، وعندما كان وزيراً لخارجية بلاده، ومن ضمن وفد إعلامي أردني مُصغّر، كان الأول الذي تتاح له فرصة زيارة الكويت بعد تحريرها، وأظن أن زملاء لي يستذكرون حوارات ساخنة وعتابات لا تنتهي خصنا غمارها مع زملاء ومسؤولين في الدولة الشقيقة، لكن اللقاء مع الشيخ صباح كان مختلفاً، حميمياً وأخوياً، لم يتوقف عند الماضي ولم يقلب في صفحات سوء الفهم والتفاهم، بل استحضر كل ما هو مشرق في علاقات الأخوة بين الأردن والكويت، متطلعاً دائماً للمستقبل وآفاقه المفتوحة.
 
مذ أن وعيت على العمل السياسي والعام وأسم الشيخ صباح يتردد على مسامعي: تارة وسيطاً من المنظمة والأردن، وثانية بين اللبنانيين في حربهم الأهلية، وثالثة بين سوريا والمنظمة، ورابعة بين "الإخوة اليمينيين الأعداء" وخامسة وسادسة...لم تشتعل بؤرة توتر في منطقتنا إلا وهرع "رجل المطافي" من دون تباطؤٍ أو استئذان، عارضاً وساطته وباذلاً مساعيه الحميدة...وكان الوسيط والراعي الكويتي يلقى الترحيب على الدوام، فمهما تعددت أطراف الصراع وتصادمت أجنداتهم، إلا أنهم يعرفون تمام المعرفة، أن الكويت بلداً "بلا أجندة توسعية"، بلا مطمع ولا مطمح، وأنها تعطي بدل أن تأخذ.
 
سفراء الكويت في دول الأزمات المفتوحة، والذي عملوا بمعية وزير خارجيتهم المخضرم، اكتسبوا بعضاً من صفاته، فكانوا موضع ترحيب، وبعضهم تحول إلى "سوبر ستارز" في الدول التي عملوا بها، لفرط حضورهم في المحافل السياسية وعلى خطوط التماس، ولفرط نشاطهم المبدد للاحتقانات والتوترات...لقد أصيبت هذه الدبلوماسية في مقتل بعد الغزو العراقي للكويت، ولكن الشيخ الوزير نجح في وضعها على سكة التعافي، قبل أن يعود الشيخ الأمير، لوضعها على سكة الاستنهاض مجدداً.
 
يكفيه أن من آخر مآثره، أنه فتح بلاده للوساطات بين الإخوة اليمنيين المتحاربين، وكل يمني "مطرحاً" له في الكويت...يكفي أن الوساطة لحل "الأزمة الخليجية" ارتبطت باسم الكويت وأميرها، ولولا الإسهام الشخصي للراحل الكبير، لكنا وكان الخليج اليوم، في مكان آخر، مختلف تماماً، كما تشير لذلك كافة المعلومات والتسريبات.
 
أما فلسطين والفلسطينيون، فقد كان لهم نصيب الأسد من "الرعاية" الكويتية، يكفي أن الكويت تصدرت الصفوف العربية المناهضة للتطبيع، تكفي المواقف المشرفة للكويت أميراً وحكومة وجلساً نيابياً ورأيا عاماً أنها قالت "لا" مدوية للتطبيع برغم الضغوط والإغراءات...وأحسب أن العلاقات الفلسطينية – الكويتية، كما العلاقات الأردنية الكويتية، ما كان لها أن تتخطى انقسامات العامين 1990-1991 وتصفي ذيولها، وتعود إلى ما كانت عليه (وأفضل) لولا سعة صدر وأفق الراحل الكبير، لولا حكمته وتبصره، لولا التزامه العميق بقضايا شعبه وأمته بل وبقضايا بالإنسانية جمعاء.
 
ما أحوجنا في زمن الرعونة والخفة والمغامرة، لحكمة رجل بوزن الشيخ صباح...ما أحوجنا في زمن الخذلان والتخلي لدور الراحل "الذي لا يخلع صاحبه"...رحيل الشيخ صباح الأحمد خسارة كبيرة في أي وقت، بيد أن رحيله في هذا المنعطف بالذات، هو خسارة جسيمة مضاعفة.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع الإطفائي الأخير في وداع الإطفائي الأخير



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 02:37 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي أجود أنواع البلسم الطبيعي للشعر المصبوغ

GMT 02:12 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

سيرين عبد النور تتألق بالبيج والنبيتي من لبنان
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia