عريب الرنتاوي
لا يحتاج الفلسطينيون إلى "وسطاء" و"حواضن" لإتمام مشوار المصالحة الذي بدأت جولته الأخيرة، بالمؤتمر الصحفي المشترك (الرجوب – العاروري)، وتوج باجتماع "رام الله – بيروت" لأمناء العامين الفصائل المختلفة، وصولاً إلى الإعلان عن تشكيل "القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية"...لكن مع ذلك، اختار فريقا الانقسام الذهاب إلى أنقرة، لاستكمال المحادثات والحوار حول الخطوات التالية.
ينتاب كاتب هذه السطور، كما كثيرون غيروه، إحساس عميق، بأن الفلسطينيين جعلوا من "احتضان" حوارات المصالحة و"التوسط" لإنجازها، "عربون" صداقة ومحبة، يعرضونه على هذه العاصمة أو تلك، في هذا الظرف السياسي أو ذاك، تقرباً منها، مع أن مسألة الانقسام بحد ذاتها، مدعاة للخجل والأسف، ومن غير المنطقي أن تكون "جائزة ترضية" معروضة في "بازار" المحاور المتنافسة، إقليمياً أو دولياً.
اليوم "رسا العطاء" على العاصمة التركية، وهو أمر لا بأس به من حيث المبدأ...تركيا بخلاف كثير من العواصم العربية، تحتفظ بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف الفلسطينية، وإن كان قلبها ومشاعرها مع حماس، وهي معنية بالملف الفلسطيني بصرف النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا في شرح "نواياها"، وأذكر أنني عرضت قبل عامين تقريباً، على السفير التركي السابق في عمان، مراد كاراغوز، أن تستضيف أنقرة، بعيداً عن الأضواء، اجتماعاً مماثلاً ظناً مني أن أنقرة مؤهلة للقيام بدورٍ كهذا...والحق، أنني لا أدري كيف تعامل صديقي السفير مع اقتراحي المذكور، وما إذا كان قد بعث به إلى أنقرة أم استبقاه في أدراج مكتبه.
لكنني وأنا أتقدم بعرضي ذاك، كنت أدرك الحساسية التي يمكن أن تتولد عن خطوة من هذا النوع، سيما بالنسبة لبعض العواصم العربية المشتبكة مع تركيا في ملفات وأزمات عدة، بدءاً من دمشق، وانتهاء بالقاهرة، مروراً بالرياض وأبو ظبي، وربما لهذا السبب بالذات، آثرت أن تكون اللقاءات بعيدة عن الأضواء، حتى لا تقوم قيامة بعض العرب على الفلسطينيين، وهم في غنى عن ذلك.
اليوم، يبدو أن الفلسطينيين "تحرروا" من بعض القيود العربية التي كانت تكبلهم، وليس أمراً بلا مغزى، أن يتزامن الكشف عن "حوارات أنقرة"، مع إعلان فلسطين تخليها عن رئاسة الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية، حتى لا تكون شاهداً زور على "الهرولة" للتطبيع، وفقاً لكلمات وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، وصار بمقدور الأطراف الفلسطينية "مناشدة" تركيا علناً، التدخل لإنجاح حوارات المصالحة، ومن دون خشية من عواقب أسوأ مما آلت إليه الحالة العربية.
الفلسطينيون ليسوا بحاجة لوسيط تركي لمواصلة حواراتهم، بيد أنهم يبعثون برسالة سياسية إلى كل من يعنيهم الأمر، مفادها أنهم ليسوا بلا خيارات ولا مجردين من الأصدقاء...لكنني أستبعد أن يذهبوا، بالذات فريق السلطة، أبعد من ذلك، نحو الاصطفاف في محور إقليمي – عربي بعينه...فكلفة الاصطفاف في محور، أي محور، أعلى بكثير من كلفة "عدم الاحتساب" على عاصمة بعينها أو محور بعينه.
ثمة خشية تنتاب بعض الفلسطينيين، من أن حوارات أنقرة، قد تنتهي إلى نوع من "التقاسم" بين فتح وحماس لكعكة السلطة والمجلس التشريعي، ولاحقاً المجلس الوطني ومؤسسات منظمة التحرير...ثمة خشية من تجديد هذه "الثنائية" وإعادة بعثها، فنصبح أمام وفرة من الاستحقاقات الانتخابية (تشريعية، رئاسية ومجلس وطني) وبالترتيب ذاته الذي تفضله فتح بشكل خاص، ولكن من دون أمل بتجديد الأطر المؤسسية الفلسطينية وتشبيبها، وبما يفضي إلى إعادة انتاج تجربة "المحاصصة الفصائلية" تحت عناوين "توافقية" أو "انتخابية" برّاقة...أحسب أن هذه الخشية في مكانها، فلا معنى أبداً لأية انتخابات، تكون نتائجها معدّة سلفاً، وعلى مقاس أصحاب القرار.