«الالتباس الباكستاني» في الحرب على الإرهاب

«الالتباس الباكستاني» في الحرب على الإرهاب

«الالتباس الباكستاني» في الحرب على الإرهاب

 تونس اليوم -

«الالتباس الباكستاني» في الحرب على الإرهاب

بقلم - عريب الرنتاوي

في توقيت متزامن، ليس مقصوداً بالقطع، نفذت جماعة «جيش محمد» الإرهابية، هجوماً أودى بحياة 44 عسكرياً ومدنياً هندياً في مقاطعة كشمير، ونفذ «جيش العدل البلوشي» الإرهابي أيضاً، هجوماً في جنوب شرق إيران أودى بحياة 27 مدنياً وعنصراً من الحرس الثوري الإيراني ... هجومان من العيار الثقيل، لم يحظيا بالتغطية المستحقة في الإعلام الغربي، ولم يثيرا ردود أفعال سياسية متناسبة مع حجم الحدثين وعظم الخسائر المترتبة عليما.
التنظيمان إرهابيان، ينتميان إلى مدرسة «السلفية الجهادية»، ومقربان من القاعدة، وتربطهما بقياداتها روابط تاريخية ... والأهم من هذا وذاك، أن كلا التنظيمين، يتخذ من الباكستان مقراً له... الأول (جيش محمد) مصنف إرهابياً على لوائح واشنطن السوداء، أما الثاني فلم أعثر على ما يفيد بأنه مدرج على هذه اللوائح، مع أنه لا يختلف عن الأول إلا بكونه يستهدف إيران حصراً... الأول حظي بدعم جهات عربية في مراحل سابقة (لا أدري إن كان مستمراً حتى الآن أم لا)، والثاني، يقال أنه بات يحظى بدعم متزايد من جهات عربية، رسمية وغير رسمية، في سياق الصراع مع إيران.
الحكومة الهندية توعدت بالرد على الهجوم والانتقام ممن أمر وخطط ونفذ، وهي لم توجه أصابع الاتهام للفصيل الإرهابي فحسب، بل اتهمت الباكستان بدعمه ورعايته، وطالبت حكومتها باتخاذ ما يلزم للقضاء على هذا التنظيم، وعدم السماح بتوفير ملاذ آمن له على أراضيها، وتوعدت بالسعي لعزل الباكستان سياسيا ودبلوماسياً، ما لم تقم بدورها في الحرب على الإرهاب الذي يستهدفها... الباكستان تبرأت واستنكرت، وتعهدت بدورها بمقاومة أية محاولة هندية لعزلها أو إدانتها.
الشيء ذاته فعلته إيران، فهي توعدت بالقضاء على التنظيم الإرهابي (جيش العدل) وحمّلت الباكستان المسؤولية عن أفعال التنظيم المتكررة واستهدافه المنهجي المنظم لإيران ... علماً بأن لهجة الخطاب الإيراني ضد الباكستان جاءت أقل حدة من نبرة الخطاب الهندي، فإيران ترتبط بعلاقات مع الباكستان، وهي ليست في وضعية مريحة للمقامرة بها، بخلاف الهند، التي ما أن تهدأ علاقاتها مع جارتها «الإسلامية» حتى تعود للتوتر من جديد... الباكستان سارعت لإعلان براءتها من الحادث، وأبقت الأبواب مفتوحة للدبلوماسية لأن تقوم بدورها مع طهران.
تاريخياً، نشأت علاقات وثيقة بين الباكستان وجماعات سلفية جهادية عديدة، ورعت المؤسسة العسكرية الباكستان حركات «جهادية» في كشمير، مثل «جيش محمد» و»عسكر طيبة» وغيرهما، ودائماً في سياق الصراع الهندي – الباكستاني، وفي سياق «الجهاد العالمي» المدعوم دولياً ، ضد النظام الشيوعي في أفغانستان زمن الحرب الباردة والذي انتج القاعدة وطالبان... وعلى الرغم من الإجراءات التي تتخذها إسلام آباد بين الحين والآخر ضد هذه الجماعات، إلا أن الاعتقاد السائد في أوساط خبراء ومختصين في الجماعات العنيفة والحرب على الإرهاب، ما زال يشير إلى «روابط خفية» بين المؤسسة العسكرية النافذة في الباكستان وكثير من هذه الجماعات، لا بل أن بعض التقارير والتحليلات تتحدث عن خروج «السلفية الجهادية» عن السيطرة والتحكم والاستخدام، بعد أن توفرت لها البنى التحتية من مالية واجتماعية وعسكرية، تمكنها من العمل بشكل مستقل، سواء في أفغانستان أو ضد الهند وإيران على حد سواء.
صحيح أن علاقات واشنطن بإسلام آباد قد «فترت» في الآونة الأخيرة، وأوقف إدارة ترامب بعضاً من المساعدات التي كان الجيش والحكومة الباكستانيان يحصلان عليها، لكن الصحيح أننا لا نرى ردود أفعال أمريكية أو غربية تتناسب مع حجم النفوذ التي تتمتع به «حركات جهادية – إرهابية» في هذه البلاد، والذي يمكنها من توجيه ضربات نوعية موجعة ضد البلدين، أما أسباب ذلك، فتعود أولاً: لكون الباكستان دولة كبرى ونووية، ومن غير السهل إشهار راية العداء لها ... وثانياً: إلى المعايير المزدوجة وسياسة الكيل بمكيالين، حتى حين يتعلق الأمر بالحرب على الإرهاب. 
فالإرهاب يمكن أن يحظى بتقدير «جيد جداً» إن هو استهدف إيران، ويحصل على تقدير أقل من نوع «لا بأس به» إن هو استهدف الهند، التي تتخذ مواقف وسياسات مستقلة عن واشنطن، ولكنه يصبح إرهاباً أسوداً وملعوناً، إن هو استهدف أيا من حلفاء واشنطن، بالذات إسرائيل، ويستوجب حينها أن تعقد له المؤتمرات وتنشأ في مواجهته المحاور والأحلاف، وترصد لاقتلاعه أعلى الموازنات والموارد.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الالتباس الباكستاني» في الحرب على الإرهاب «الالتباس الباكستاني» في الحرب على الإرهاب



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia