رسالة برهم صالح

رسالة برهم صالح

رسالة برهم صالح

 تونس اليوم -

رسالة برهم صالح

بقلم - عريب الرنتاوي

من طهران، أطلق الرئيس العراقي المنتخب حديثاً، دعوة لجعل العراق ساحة تلاقٍ وليس منصة للصراع بين إيران والولايات المتحدة ... هو إذن، يسعى في تبني وتطوير نظرية «النأي بالنفس» التي أطلقها اللبنانيون مع اندلاع الأزمة السورية ... الرسالة مهمة لسببين اثنين: الأول؛ ويتعلق بمكان إطلاقها إلى جانب الرئيس روحاني في المؤتمر الصحفي المشترك ... والثاني؛ الزمان، مع بدء تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على طهران، ودخول الصراع الإيراني – الأمريكي مرحلة جديدة من الاحتدام والتوتر.
برهم صالح، سليل مدرستين في السياسة العراقية ... فهو من جهة تلميذ نجيب في مدرسة «مام جلال» التي عرفت باعتدالها وانفتاح على العرب وعلاقاتها الطبيعية أو حتى الجيدة مع الإيرانيين ... لكنه من جهة ثانية، معروف بعلاقاتها الوثيقة مع واشنطن، شأنه في ذلك شأن سياسيين عراقيين كثر ... وهو وإن كان اختلف وتمايز عن الاتحاد الوطني بعد رحيل مؤسسه جلال الطالباني، إلا أن ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية وفوزه الواضح فيه، يعكس لحظة التقاء التوازناتوانعقادها، حول شخصية عراقية، من المتوقع أن تعطي المنصب البروتوكولي زخماً إضافياً.
لكن دعوة صالح تثير الكثير من الأسئلة والتساؤلات والشكوك، حول جديتها وقدرة صاحبها ومن يؤيدونه في مسعاه، على ترجمتها ونقلها إلى حيز التنفيذ: هل ترغب واشنطن للعراق أن يقوم بهذا الدور، أم أنها ستجعل منه ساحة لتصفية الصراع مع عدوتها الأولى في المنطقة: إيران؟ ... والثاني: هل ترغب إيران، للعراق أن يلعب هذا الدور، وهي التي تعتقد أنها تلعب فوق أرضية صلبة في بلاد الرافدين، ولديها من أوراق القوة فيها، ما يفوق – ربما – ما لدى واشنطن؟ ... وهل ترغب عواصم الإقليم، خصوصاً العربية المشتبكة مع إيران، أن ينهض العراق بهذا الدور، وهي التي لا تنفك مؤخراً عن التعبير عن «حنينها» للعراق – القديم، الذي لعب دور «السدّ» في مواجهة التمدد الإيراني، مع إنها أسهمت مباشرة في تهديم هذا السدّ، ويسرت للولايات المتحدة فرصة تفكيك الدولة والجيش والمؤسسات العراقية؟
في العراق، ثمة من يجادل بسقوط «نظرية السدّ»، وعدم واقعية رهانات بعض العرب على دور عراقي فاعل في مواجهة إيران ... إيران بنت لنفسها منازل كثيرة في العراق، ونفوذها الظاهر والمخفي فيه، أكبر من أن يجري اختزاله أو احتواؤه ... وفي العراق، حيث تختلف الطبقة السياسية حول كل شيء تقريباً، بيد أنها تتفق على الحاجة لتحييد إيران والإبقاء على علاقات معها، أقله في المستوى الطبيعي... وفي ظني أن مثل هذه الخلاصة صحيحة تماماً.
وفي العراق، ثمة من يجادل بأن واشنطن ليست بوارد تحويل العراق إلى منصة لـ»تسوية الحساب» مع إيران، ويستدلون على ذلك بإحجام واشنطن عن طرح فكرة «حل الحشد الشعبي»، برغم مرور ما يقرب من عام على هزيمة داعش في العراق ... ويعلل أصحاب هذه المدرسة موقفهم بالقول: إن واشنطن ما زالت تخشى خطر عودة «داعش» من جهة، وتريد أن تحتفظ بوجود عسكري مستدام، أو طويل الأمد في العراق من جهة ثانية.
لكن في المقابل، ثمة شواهد على أن واشنطن لا تكف عن ممارسة الضغوط على العراق لدفعه للتخندق وراءها في مواجهة إيران... منها إعطاء العراق مهلاً قصيرة زمنياً للالتزام بنظام العقوبات الصارم الذي فرضته على طهران، بما لا ينسجم مع رسالة برهم صالح حول «ساحة التلاقي»، ومنها الاحتكاك الذي يزداد خطورة بين الحشد الشعبي والقوات الأمريكية، ومؤخراً حول قادة «G 3»، ومنها تعميم البنك المركزي على البنوك العراقي لتحذيرها من مغبة التعامل بالدولار مع البنوك الأمريكية، وثمة شواهد أخرى، وأحياناً متناقضة، تجعل الجزم بالوجهة التي تريد واشنطن للعراق أن يسلكها أمراً صعباً.
في ظني، وبصرف عن مآلات رسالة صالح التصالحية، إلا أنها رسالة تستحق الاهتمام والتقدير، وتستحق أن يُنظر إليها جدياً من قبل مختلف أولوان الطيف السياسي والاجتماعي العراقي، فالمنطقة بحاجة للعراق كجسر للحوار والتواصل والالتقاء، بعد أن سقطت نظرية «السدّ» و»الحاجز».

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة برهم صالح رسالة برهم صالح



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia