بقلم - عريب الرنتاوي
احتفى الأردنيون كل على طريقته بافتتاح معبر جابر/نصيب الحدودي مع سوريا ... الكثرة الكاثرة كانت مبتهجة لأسباب «أردنية» و»سورية» على حد سواء ... رأت في فتح المعبر، طاقة فرج من الأزمة الاقتصادية المستفحلة، حتى وإن لم تكن شديدة الاتساع، كما رأت في فتح المعبر، دلالة على بدء استعادة سوريا لعافيتها بعد أزيد من «سبعٍ عجاف».
ليس كل من احتفى بافتتاح المعبر موالٍ للنظام السوري، أو «شبيح» كما ردد بعض خصوم النظام الأكثر كراهية له ... لدينا مثل هؤلاء بالطبع، ولقد عبروا عن فرحتهم بطريقة سياسية، لم تخلُ من مظاهر «تجديد البيعة» للنظام، وإزجاء مشاعر الولاء والعرفان له على نصره المؤزّر ... لكن غالبية الأردنيين، كانوا فرحين بعودة الحياة إلى هذا الشريان الحيوي لأسباب أخرى مختلفة تماماً.
وليس كل من احتفى بافتتاح المعبر، له مصالح اقتصادية وتجارية في سوريا ... بعضهم كذلك، وهذا حقهم، ونحن نشجعهم على تعظيم هذه المصالح وتطوير التبادل ... أعرف أردنيين وأردنيات لم يزوروا سوريا مرة واحدة في حياتهم، وبعضهم جاوز الأربعين عاماً ... هؤلاء أحسوا بالخلاص من «حصار نفسي ومعنوي» كان يلتف حول أعناق الأردنيين طوال السنوات الماضية، سيما بعد تزامن غلق المعبر الشمالي مع غلق المعبر الشرقي الواصل بالعراق ... الأردني لم يكن باستطاعته قيادة سيارته خارج حدود بلده، فسوريا والعراق تاريخياً، هما الوجهتان المفضلتان للأردنيين، سيما في ضوء انتفاء الحاجة للحصول على «الفيزا».
للأردن مصلحة في فتح المعبر مع سوريا... هذه حقيقة لا نختلف حولها، وإن كنا نتباين في تقدير حجم هذه المصلحة ... ومن الطبيعي أن يثير فتح المعبر، ارتياحاً وطنياً، رسمياً وشعبياً واسعاً ... لا أفهم كيف يجادل أحدهم ضد فتح المعبر، أو أن يرى في افتتاحه «خبراً سيئاً» يبعث على الكآبة والحزن والأسى... سيما وأننا طالما طالبنا بتحييد العلاقات التجارية والتبادل الاقتصادي وحركة الأفراد والسلع والرساميل والخدمات عن صراع الأنظمة واختلاف الحكومات.
لقد جاء زمن كان يكفي لأي خلاف بين نظامين، أن يفضي إلى غلق الحدود ومنع الحركة وحشد الجيوش أحياناً، بيد أننا تجاوزنا هذه المرحلة، وجاءت أزمنة، كانت الخلافات فيها بين عمان ودمشق، على أشدها، ومع ذلك ظلت الحركة الانسيابية للأفراد والسلع تسير على قدم وساق، وقد اعتبرنا ذلك تطوراً مهماً في «عقلية» إدارة الأزمات البينية العربية ... البعض يريد أن يعيدنا عقوداً للوراء، حتى وإن كان يتعين علينا أن ندفع أثماناً باهظة من أكياسنا وجيوبنا.
أيها السادة، بمقدوركم أن تعارضوا النظام السوري كما تشاؤون، وأن تذرفوا الدموع على المعارضات الآخذة في الانقراض تباعاً ... ومن حقكم أن تستخدم شمّاعة اللاجئين، وأن تظهروا الحزن والشفقة على عدم تمكنهم من استخدام المعبر في طريق العودة للوطن، حتى الآن على الأقل ... ولكن حنانيكم، فمن حقنا أن نكسر أطواق العزلة والحصار، وأن نستأنف حركتنا البرية مع سوريا، وعبرها إلى لبنان، وربما تركيا قريباً، والموانئ الأوروبية في مختلف الأحوال.
هل قلنا لاجئين سوريين؟
نعم، وهنا نفتح قوسين لنقول، أنه يتعين بذل جهود مكثف من قبل مختلف الإدارات الحكومية، لترتيب عودتهم (الآمنة والطوعية)، ينبغي بحث هذا الملف في الاتصالات مع موسكو ودمشق، وأشدد على دمشق، وان نخوض حملات توعية وتشجيع لحفز اللاجئين على التفكير بالعودة ... ينبغي أن نشرع في إعداد قوائم الراغبين بالعودة، كما يحدث في لبنان، وان نجري تنسيقاً ثنائياً مع سوريا، من أجل جعل هذا الأمر ممكناً ... نحن أصحاب المصلحة الأولى في عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم (بعد اللاجئين أنفسهم بالطبع)، ولا ينبغي أن نخضع هذه المصلحة لحسابات وحساسيات إقليمية أو دولية.
وأحذر من أن بعض من يتباكون على مأساة اللجوء السوري، هم أنفسهم الذي جعلوا من معاناتهم «بيزنيساً» وتجارة ... هؤلاء لا يريدون للاجئين أن يعودوا، تحت طائلة الخوف من انسداد شرايين التمويل، وثمة مئات المنظمات والجمعيات المنخرطة في هذا البيزنيس، وهي لن تعدم وسيلة لاشتقاق مبررات مواقفها من قاموس حقوق الانسان ولغة المفوضية السامية، وحسابات «أصدقاء سوريا».
فتح المعبر، هو مقدمة ضرورية لعودة اللاجئين، لكن هذا لا يعفينا جميعاً من العمل على بقية المتطلبات اللازمة لجعل هذه العودة أمراً ممكناً وقريباً، فهل نفعل؟