عن الكويت بمناسبتين

عن الكويت بمناسبتين

عن الكويت بمناسبتين

 تونس اليوم -

عن الكويت بمناسبتين

بقلم : عريب الرنتاوي

زرت الكويت مرة واحدة فقط طوال سنيّ حياتي، كان ذلك بعد سنوات قلائل من “التحرير”، وكنت من ضمن “عصبة” من الأصدقاء الإعلاميين الأردنيين، وفي مسعى من الجانب الكويتي لإعادة جسر ما تهدّم من أواصر العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين ... يومها كان الأمير صباح الأحمد وزيراً للخارجية، وقد استقبلنا في مكتبه بحرارة، مشجعاً على استئناف الزيارات والتبادل بين البلدين، وكذلك فعل وزير الإعلام في حينه سعد بن طفلة العجمي، وكانت لنا لقاءات من رئيس مجلس النواب وممثلين لنخب إعلامية وثقافية وسياسية كويتية.

وأذكر ذات عشاء في الكويت، لم أعد استذكر عند مَنْ أو بدعوة ممن، أنني التقيت بالسفير الكويتي الأسبق لدى لبنان، عبد الحميد البعيجان، لم أكن أعرفه، لكني كنت أتتبع أخباره التي تتصدر الصفحات الأولى لصحف لبنان صبيحة كل يوم، زمن الحرب الأهلية، وكان الرجل دائم الحضور والتنقل بين مختلف الأفرقاء، يسعى في ترميم ما خربته الحرب في النفوس والنصوص، قبل أن يكون في العمران والبنى التحتية، كان نجماً لبنانياً بامتياز، حين كانت سفارات كثيرة، تتآمر على لبنان، وتتحول إلى أوكار لصب المزيد من الوقود على نيران الحرب الأهلية المشتعلة.

لكني، من بعيد، أحتفظ بصورة إيجابية عن هذه الدولة الخليجية عموماً ومواقفها المتوازنة والمتزنة... قبل الغزو كانت الكويت “بيروت الخليج” فيها صحافة حرة، نجحت في استقطاب أقلام عربية متنوعة في مشاربها وخلفياتها، وفيها برلمان قوي، يلعب دوراً مشاكساً للحكومة، وفيها ديوانيات، تقوم بمقام الأحزاب، وتلعب دوراً في تأطير الرأي العام ... فضلاً بالطبع عن دور “رجل الإطفاء” الذي ميّز السياسة الخارجية الكويتية، وجعل وزيرها المخضرم، الأمير اليوم، حاضراً في جميع ملفات المنطقة وصراعاتها، ومن موقع الوسيط المقبول، ورجل “المساعي الحميدة” المنتظر.

لست خبيراً في شؤون الاتصال والتواصل، وليس من أبرز صفاتي القدرة على إدامة العلاقات والصلات مع من ألتقيهم في حلّي وترحالي، فمنذ أن غادرت الكويت، لم أجر اتصالاً هاتفياً واحداً مع من التقيتهم هناك، ولا أعرف شيئاً عن هذا البلد إلا من خلال ما يتيسر من معطيات في الصحافة ووسائل الإعلام ... ولكنني لطالما أسفت لاستنكاف الكويت عن القيام بأدوار الوساطة في الأزمات العربية التي تتكاثر كالنبت الشيطاني في أزمتنا المعاصرة.

أذكر أنني كتبت ذات يوم، في هذه الزاوية بالذات، ما يفيد بأن العالم العربي خسر “دبلوماسيتين” نشطتين، حين مسّت الحاجة إليها زمن الأزمات المتناسلة، قصدت بهما: الدبلوماسية الكويتية التي أصيبت في مقتل بعد الغزو العراقي للكويت، والدبلوماسية الجزائرية النشطة، التي تعطلت بعد العشرية السوداء التي ضربت هذا البلد الشقيق في مقتل ... وللمصادفة فإن حاكمي هذين البلدين اليوم، كانا وزيرين مخضرمين للخارجية في بلديهما، ولطالما كان لكل منهما حضوراً كثيفاً في رأب الصدع وإصلاح ذات البين.

والحقيقة أن ثمة تطورين اثنين، استدعيا هذه الذكريات والتداعيات لديّ: الأول؛ ويتعلق بالموقف الكويتي المشرف الذي اتخذه رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم ضد غطرسة وفد الكنيست الإسرائيلي في اجتماعات البرلمان الدولي الأخيرة في سانت بطرسبيرغ، حين تصدى للعنصري نحمان شاي ووصفه بقاتل الأطفال والنساء، ونجاحه في طرده من قاعة الاجتماعات وسط تأييد عالمي نادر لهذا الموقف القومي الشجاع.

والثاني؛ وأنا أقرأ بالأمس تصريحات أمير الكويت بخصوص الأزمة الخليجية، والتي وردت في افتتاح جلسة للبرلمان، وفيها تحذير من مغبة الانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه، ودعوته الأطراف لتحكيم صوت العقل والحكمة، وتنبيهه للجميع، من مخاطر تفاقم الأزمة ودخولها في نفق جديد، لا أحد يعرف متى سينبثق الضوء في نهايته.

في الموقف الأول، التفت الإعلام إلى مواقف رئيس البرلمان الكويتي، والرجل استحق بجدارة كل الشكر والثناء، في زمن التهافت والهرولة نحو تل أبيب، حيث تتورط دول عربية  متزايدة في هذه اللعبة المشؤومة، لكن قلة انتبهوا إلى الرسالة التي بعث بها أمير البلاد إلى رئيس مجلسه، معرباً عن الدعم لموقفه والثناء على شجاعته، والفخر بما أنجز في المنتظم الدولي، نصرة لقضية العرب المركزية الأولى ... هذا الموقف من الأمير ورئيس البرلمان الكويتي، يثلج الصدور، ويذكر بأن صورة المشهد العربي القاتمة، ما زالت تحتمل بروز إشراقات ونقاط مضيئة بين الحين والآخر، وهذه المرة جاءت من الكويت.

أما فيما خص مساعي الوساطة الكويتية في الأزمة الخليجية، فقد نالت الكويت دعم العالم بأسره لجهوده، وكل من جال في المنطقة وأدلى بدلائه في أزمتها، كان شديد الحرص على تثمين المبادرة الكويتية، ودعم جهود الأمير لتحقيق المصالحة، بل ووضع كافة الإمكانيات والقدرات في تصرف الوسيط الكويتي لمنع انزلاق دول مجلس التعاون في قعر هاوية لن يخرج منها أحدٌ منتصراً.

مساعي الكويت لم تتوقف، والأمير لن يدخر ما بوسعه من جهد لرأب الصدع في البيت الخليج، بيد أن الرؤوس الحامية على ضفتيها، تجعل مساعيه شديدة الصعوبة، وتصيبها في بعض الأحيان بالعطب ... لكن، وكما اشتهرت الدبلوماسية الكويتية بدورها كرجل إطفاء، دؤوب ومثابر، فإننا نأمل أن تستأنف هذا الدور، وتتوسع به، بدءاً من وقف النزف في الجرح الخليجي المفتوح.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الكويت بمناسبتين عن الكويت بمناسبتين



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia