واشنطن وإستراتيجية «اللاإستراتيجية» في المنطقة

واشنطن وإستراتيجية «اللاإستراتيجية» في المنطقة

واشنطن وإستراتيجية «اللاإستراتيجية» في المنطقة

 تونس اليوم -

واشنطن وإستراتيجية «اللاإستراتيجية» في المنطقة

بقلم : عريب الرنتاوي

تبدو مشكلات واشنطن مع حلفائها في المنطقة، أشد تعقيداً من مشكلاتها مع أعدائها ... معظم صراعات المنطقة وأزماتها، يقف فيها حلفاء الولايات المتحدة على طرفي نقيض، فكيف يمكن لإدارة غير قادرة (أو غير راغبة) في حل مشكلات حلفائها أن تكون في وضعية تؤهلها للتصدي لخصومها وأعدائها؟

في العراق، يحتدم الصراع بين بغداد وأربيل، واشنطن تقود تحالفاً دولياً للقضاء على الإرهاب في العراق بالاعتماد ميدانياً على هذين الحليفين (الصديقين)، ما أن وضعت الحرب أوزارها على داعش، بل وقبل ذلك بكثير، حتى اندلع صراع، كاد يتحول إلى مطاحنة عسكرية كارثية بين الجانبين العربي والكردي ... وحده تدخل إيران حال دون تأزم الموقف، وطهران استفادت من صراع حلفاء واشنطن، ووسعت نفوذها وسيطرتها، فيما الولايات المتحدة، تقف عاجزة بلا حراك، يتخطى المناشدات للأصدقاء والتحذيرات للخصوم.

لكن تجميد المشكلة بين بغداد وأربيل، لم يحل دون تراكم عناصر مشكلة أخرى، وأيضاً بين حلفاء واشنطن، هذه المرة بين السليمانية وأربيل، أو بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني ... إن تفاقمت حرب الاتهامات والاتهامات المتبادلة، وإن ظلت السليمانية أو بعضها كيانتها، على قناعة بأن ساعة تصفية الحساب مع مسعود البرزاني قد أزفت، فليس من المستبعد أن يعاود الإخوة الكرد حروبهم، وهو أمر سيكون مكلفاً جداً للإقليم وواشنطن والعراق، وفي مطلق الأحوال فإن العلاقة بين جناجي الحركة الكردية قد أصيبت في مقتل، وهيهات أن تستعاد الثقة ويلتئم الجرح في المدى المنظور.

خارج العراق، بدا تحرير الرقة من داعش خبراً ساراً لواشنطن، إحيط باحتفالية مبالغ بها، العرب ممثلون بجيوش العشائر وميليشياتها وببعض قادة المعارضة، يظهرون ضيقاً بسياسات الهيمنة الإلحاقية التي تمارسها وحدات الشعب الكردية عليهم... كما أن ظهور الوزير السعودي تامر السبهان إلى جانب الجنرال ماكغورك في عين عيسى، وتحت جداريات ضخمة للقائد الكردي المعتقل عبد الله أوجلان، الذي تعتبر أنقرة، رمزاً للإرهاب لا مثيل له سوى فتح الله غولن، سيشعل الكثير من الأضواء الحمراء في أنقرة ... الكرد الذين اعتادوا استعجال الشيء قبل أوانه على ما يبدو، سارعوا لضم إقليم الرقة إلى فيدراليتهم، وهو أمرُ ينذر باندلاع صراع عربي كردي في المنطقة، لن يكون في صالح الكرد على المدى المتوسط، وبصراع تركي – سعودي (خليجي) أعتقد أنه سيحتدم قريباً، سيما بعد لجوء ناطقين سعوديين إلى استخدام تعبير “العدو التركي” في مقابلات فضائية، الأمر الذي أثار استغراب المذيعين والمستمعين على حد سواء.

أوثق حلفاء الميدان للبنتاغون هم أكراد العراق وسوريا، وألد خصومها هم الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق ... الكرد في علاقة صراعية (وجودية) مع تركيا، أكبر حليف لواشنطن في الناتو، وعلاقتهم بأنقرة ذات طبيعة “صفرية” ... واشنطن التي تقترب من وضع الحشد الشعبي في سلة واحدة مع حزب الله، ظلت حتى الأمس القريب توفر لقطعاته العسكرية غطاءً جوياً وصاروخياً في معارك الموصل وتلعفر وغيرها ... وفي سوريا، هي ترى قوات حزب الله تصول وتجول على مقربة من أماكن انتشارها، من دون أن تقوم بأي حركة أو حراك، تشتم منه رائحة الاستهداف ... ما الذي تريده واشنطن، وما الذي ترغب في فعله؟

في الخليج، حيث الثقل الرئيس لواشطن ورأسمالها ومصالحها الاستراتيجية، تحتدم أزمة غير مسبوقة منذ  مطلع سبعينيات القرن الفائت .... هذه الأزمة تقول واشنطن أنها غير قادرة على حلها، وأن فرص طيّ صفحتها ما زالت ضعيفة للغاية ... أقرب حلفاء واشنطن إليها، يقتتلون فيما بينهم، ويمارسون أسوأ أنوع “حروب الوكالة”، على الأرض وفي الفضاء وعلى اليابسة والبحار والقنوات الخلفية والأمامية، تشتعل بصراع الإخوة الأعداء، فيما واشنطن تقف عاجزة (أو غير راغبة) بالتحرك.

البعض يستند إلى هذه المعطيات، وأخرى غيرها، للدلالة على عدم وجود استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة ... لكن السؤال: ماذا إذا كان هذا الوضع الغائم، المائل للتردد وانعدام الحسم، المتطلع لإدارة الأزمات واحتوائها، وليس لإغلاق الملفات وحل الاستعصاءات هو هذه الاستراتيجية بعينها، ولا شيء آخر غيرها؟

لهذا التساؤل ما يبرره، صحيح أن هناك حدوداً للقوة الأمريكية في بعض أزمات الإقليم كالعراق مثلاُ أو سوريا، ولكن ماذا عن الأزمة الخليجية، هل ثمة عاقل يمكن أن يقتنع حقاً بان البيت الأبيض عاجز عن الجمع بين اطراف الأزمة ورموزها؟ ... أليس صحيحاً أن واشنطن هي المستفيد الأول من استمرار بعض الجراح النازفة والمفتوحة في المنطقة من دون علاج؟ ... ألا تمكن استراتيجية إدارة الأزمات بدل حلها، واشنطن من ابتزاز جميع خصومها وحلفائها سواء بسواء؟ ... ألم ترتفع صادرات السلاح الأمريكي للمنطقة، ألم يستمر النزف المالي ودفع الإتاوات والجزيات للبيت الأبيض العالي في واشنطن من قبل حلفاء واشنطن وأصدقائها؟ ... هل ثمة ما هو أفضل للولايات المتحدة، واسرائيل استتباعاً، من ديمومة حالة التآكل الذاتي التي تعيشها دول المنطقة وشعوبها، ومن تفاقهم حالة النزف التي يعيشها خصوم واشنطن القابعين تحت سيف الابتزاز الأمريكي.

إن لم تكن استراتيجية “اللا استراتيجية” هي التوصيف الحقيقي للسياسات الأمريكية في المنطقة خلال الأعوام القليلة الفائتة، وإن لم تكن هذه الاستراتيجية مفيدةً جداً في الحسابات الأمريكية، فلماذا حافظ ترامب على جوهر استراتيجية أوباما حيال الشرق الأوسط، ولم يفعل سوى إعطائها جرعة فائضة عن الحاجة، من التصريحات النارية والتهديدات السائبة والتحذيرات التي لا تجد من يرتعش لهولها؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن وإستراتيجية «اللاإستراتيجية» في المنطقة واشنطن وإستراتيجية «اللاإستراتيجية» في المنطقة



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia