«المسـألـة الكرديـة» والريــاء الإســرائيلـي

«المسـألـة الكرديـة» والريــاء الإســرائيلـي

«المسـألـة الكرديـة» والريــاء الإســرائيلـي

 تونس اليوم -

«المسـألـة الكرديـة» والريــاء الإســرائيلـي

بقلم : عريب الرنتاوي

تنافح إسرائيل بقوة عن حق الشعب في “تقرير مصيره”، ويتبارى قادتها من مختلف الاتجاهات في إعلان دعمهم لانفصال إقليم كردستان عن العراق ... وثمة معلومات، قديمة وجديدة، عن “روابط”، سرية وعلنية، بين الحركات الكردية وإسرائيل، بعضها يعود لستينيات القرن الفائت، وبعضها حديث، وتجري المبالغة عن قصد، في تضخيم أثر “العامل الإسرائيلي” في “المسألة الكردية”، وتصدر هذه المبالغات عن مصدرين: أولهما إسرائيل، التي تسعى في توسيع شقة الخلاف والصراع بين العرب والكرد، من ضمن استراتيجية لتفتيت المنطقة، وتحويلها إلى فسيفساء من الأقليات، تظهر معها إسرائيل بوصفها “الأقلية الكبرى” في الشرق الأوسط.

أما المصدر الثاني، فهم خصوم الحركة الانفصالية الكردية، من عرب وعجم وترك، الذي يسعون في تصوير كردستان العراق كـ “إسرائيل ثانية” في المنطقة، بهدف حشد المخاوف والشكوك في النوايا الكردية، وتوسيع جبهة العداء والكراهية لأكراد العراق وأكراد المنطقة ككل... علماً بأن أكراد العراق والمنطقة عموماً، كأي مجتمع من مجتمعاتها، فيه من يراهن على إسرائيل ويسعى لتوطيد العلاقة معها، تماماً مثلما تفعل حكومات وأنظمة عربية قريبة وبعيدة، ومثلما تردد بعض تيارات المعارضات العربية، خصوصاً في دول الأزمات، وفيه من يتخذ مواقف مغايرة تماماً.

وللأكراد العراقيين صلات تاريخية مع الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية المعاصرة وفصائل منظمة التحرير، وبعضهم قاتل ببسالة في خنادقها وقواعدها طوال سنوات المواجهة العسكرية مع إسرائيل من لبنان وفي جنوبه، وبعضهم كان في صدارة صفوف حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغتربات والشتات، الفلسطيني والكردي على حد سواء.

إسرائيل منافقة وهي تزعم التزامها بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه، فهي تمنع على الشعب الفلسطيني حقاً مماثلاً في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، وهي تفرض أبشع وأطول احتلال في تاريخ البشرية جمعاء، على شعب توّاق لحريته وتحرره ... وقادة إسرائيل يتقمصون ثوب الحمل الوديع وهم يذرفون الدفع على معاناة الكرد ومراراتهم، فيما ممارساتهم الاحتلالية الاقتلاعية، تشف عن ذئب متوحش في ثياب هذا الحمل.

بمقدور العرب، العراقيين أولاً، أن يدفعوا الأكراد دفعاً إلى الأحضان الإسرائيلية، من خلال الاستجابة لمكر إسرائيل والوقوع في أفخاخها ... وبمقدورهم أيضاً أن ينجحوا في كسب ود الأكراد وصداقتهم، بل وتحالفهم وانحيازهم للقضايا العربية، إن هم أجادوا مقاربة هذا الملف بصورة متوازنة تحفظ أمن دولهم ومصالح شعوبهم ... وتبدأ المسألة باعتراف عربي بحق الكرد في تقرير مصيرهم، والاعتراف بهم كأمة نعيش معها وتعيش معنا منذ فجر التاريخ، والبحث عن صيغ وترتيبات لضمان عيش آمن وكريم للجميع، من دون هيمنة أو شوفينية، ومن دون استتباع أو “استكراد” كما في التعبير الشعبي المفعم بالعنصرية ... بمقدور العرب أن يسدوا أي ثغرة تتسلل من خلالها إسرائيل إلى هذه الأمة الشريكة لنا في تاريخ المنطقة وجغرافيتها ... ومثلما نجح العرب ذات زمان في تحصين أفريقيا وأمريكا اللاتينية في وجه التمدد الإسرائيلي، فإنه من باب أولى أن يجربوا النجاح مع إخوة وأشقاء لهم في التاريخ والجغرافيا والدين وكثير من القيم والعادات والتقاليد.

إسرائيل تروّج لـ “حلف الأقليات” في المنطقة، وهي تعرض نفسها صديقاً صدوقاً للأقليات الدينية والعرقية فيها، وهذه مقاربة “ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب”، وعلى العرب أن يفعلوا كل ما بوسعهم، لإقناع “أقلياتهم” وليس الكرد وحدهم، بأنهم مواطنون لا رعايا، وأن حقوقهم الفردية والجمعية، مكفولة في دول مدنية – ديمقراطية تقوم على أساس المواطنة الفاعلة والمتساوية ... على العرب أن يسلموا بان فراقاً (انفصالاً) توافقياً خير بمائة مرة، من وحدة قسرية، لا يعني مرور الزمن فيها، سوى تكريس الشروح والندوب 

وعلى الكرد في المقابل، عراقيين أم غير عراقيين، أن يصلوا إلى الاستنتاج النهائي، بأن مستقبلهم يتقرر في ضوء نجاحهم في إقامة علاقات طبيعية وحميمة مع إخوانهم العرب، وأن التلويح بالتعاون مع أعدائهم أو الاستقواء بهم، هي سياسة قصيرة النظرة، وتزرع بذور صراعات لاحقة، وعليهم أن يطردوا مرة وإلى الأبد، فكرة الاستثمار في الجسم العربي الهزيل والمتشظي، فالضعيف اليوم، سيتقوى غداً، وما يؤخذ في لحظة “استباحة” لن يظل لقمة سائغة لمن يغتصب حقاً ليس له ... العلاقة بين العرب والكرد، يجب أن تُقرأ من منظور المصلحة والمستقبل، لا أن تبقى أسيرة لعقد الماضي ومآسيه، فالتطلع للأمام هو ما يفيد الشعبين ويؤسس لعلاقة مستقبلية وطيدة، يبدو الجميع، وبالأخص الكرد، ولكل الاعتبارات المعروفة، بحاجة لها مثل العرب، وأكثر منهم.

المصدر : صحيفة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المسـألـة الكرديـة» والريــاء الإســرائيلـي «المسـألـة الكرديـة» والريــاء الإســرائيلـي



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia