في «رمزية» الحركة الوطنية الأسيرة

في «رمزية» الحركة الوطنية الأسيرة

في «رمزية» الحركة الوطنية الأسيرة

 تونس اليوم -

في «رمزية» الحركة الوطنية الأسيرة

بقلم : عريب الرنتاوي

تحتفظ ذاكرة الفلسطينيين الجمعية، بصورة خاصة للأسير، تأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد صورة الشهيد ... والصورتان معاً، تشكلان «رمزية» خاصة لكفاح شعب فلسطين الممتد على مساحة قرن من الزمان، ضد الاستعمار البريطاني من جهة، والمشروع الصهيوني الاقتلاعي من جهة ثانية.

وعلى الدوام، كانت الحركة الوطنية الأسيرة، في طليعة نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله، منها أدار قادة ومناضلون المقاومة بمختلف أشكالها في عموم الأراضي المحتلة، وبمعارك «الأمعاء الخاوية»، كانت الحركة الأسيرة، تفجر طاقات شعب بأكمله، داخل الوطن المحتل وفي الشتات والمغتربات القريبة والبعيدة.

وبالنظر لكل هذه الدلالات الرمزية الملهمة، حاولت إسرائيل طوال سنوات وعقود كسر إرادة الأسرى والمعتقلين والموقوفين إدارياً، لكنها فشلت في كل مرة، ولم تفض محاولاتها البائسة واليائسة، إلا لتكريس قادة هذه الحركة، رموزاً وطنية، يتغنى بها الشعب، ويجعل منها إيقونات يرفعها عالياً في مسير على درب الجلجلة للخلاص من آخر استعمار على وجه الأرض.

اليوم، تسعى حكومة اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، مدعومة بإدارة اليمين واليمين المتطرف في الولايات المتحدة، إلى تحطيم هذه «الرمزية» وتبديدها، وتحويلها من ذخر لهذا الشعب وذاكرته وإرادته الجمعية، إلى عبء عليه ... فمن يقرأ لائحة الشروط المسبقة التي يتحدث عنها نتنياهو وجرينبلات، ومن ضمنها وقف الرواتب على أسر الشهداء والأسرى، يرى أن الحليفتين الاستراتيجيتين أنما تستهدفان قتل ذاكرة هذا الشعب وروحه ورموزه ومستقبله، تماماً مثلما تعملان على تدمير حاضره وتقطيع السبل في طريق عودته واستقلاله وتقرير مصيره بنفسه... وانظروا إلى تصريحات وزير الدفاع الإسرائيل، «البوديغارد» السابق في أحد الملاهي الليلية، المتجرد من كل قيمة إنسانية، كيف يقترح ترك الأسرى يتعفنون جوعاً وعطشاً، لتدركوا حالة الهستيريا التي تجتاح «الترويكا» الحاكمة في دولة الاحتلال والعنصرية.

اليوم، يعيد الأسرى توجيه البوصلة صوب القضية الفلسطينية من جديد، بوصفها قضية حرية شعب واستقلال وطن وكرامة أمة ... اليوم، يعود الأسير لإشهار سلاحه الوحيد في وجه عدوه: المعدة الخاوية ... اليوم، يعيش الشعب الفلسطيني في مختلف امكان تواجده، على وقع يوميات الإضراب عن الطعام، الذي أطلقه الأسير القائد مروان البرغوثي، واستجاب له مئات الأسرى حتى الآن، والحبل على الجرار.

لكل فلسطيني في الضفة والقطاع، قصة مع سجون الاحتلال ومعتقلاته النازية ... ولكل أسرة حكاية ترويها عن معاناتها مع السجان والجلاد والقاضي والقانون العنصري والعقوبات الجماعية ... ولكل طفل وامرأة وشيخ، سيرة يتداولها عن الإكراه والابتزاز ... لكن لكل واحد من هؤلاء، قصصاً يورثها عن الصمود والتصدي، عن البطولة وإرادة التحدي والبقاء ... لكل واحد منهم، إرث متوارث،من الكبرياء والفخر بالكف التي قاومت المخرز، من دون أن ترتجف أو أن تضعف.

قيل وسيقال إن للبرغوثي في دعوته للإضراب حسابات يصفيها مع الرئيس ولجنة فتح المركزية، وقد يكون هذا صحيح وقد لا يكون ... لكن لا بأس في مختلف الأحوال، إن كانت منهجية تصفية الحسابات وتسويتها، تجري عبر الاشتباك مع العدو المشترك، القابع فوق عقول وصدور وضمائر الجميع، ومن دون استثناء ... لا بأس من القفز إلى خنادق المواجهة مع الاحتلال، بدل الانخراط في معاركنا الداخلية، التي احتدمت طوال أزيد من عشر سنوات عجاف من الانقسام، وضاق بها الشعب الفلسطيني وأزهقت روحه.

قد يقال، إن الإضراب عكس حالة الانقسام ولم يبددها، إذ لم يلتحق به سوى قرابة العشرين بالمائة من الأسرى، دعونا نتفاءل ونراهن على التحاق البقية بدرب المعركة الوطنية الكبرى التي يخوضها الأسرى، باسم الشعب الفلسطيني ونيابة عنه، وبأكثر الأسلحة تواضعاً وأمضاها تأثيراً.

والمأمول أن يجد إضراب السجون والسجناء، صدى متعاظماً له في الشارع الفلسطيني، في الداخل والخارج، فيتردد في التظاهرات والاعتصامات وحملات التوعية بقضية الأسرى والتضامن معهم والانتصار لقضيتهم/ قضيتنا جميعاً ... المأمول أن تستثير الأمعاء الخاوية، العقول والضمائر الخاوية للمتسببين بالانقسام والمسؤولين على استطالته بأكثر مما ينبغي، وأن تدفع هؤلاء للخجل من أنفسهم، إن كانت لديهم بقية من القدرة على الإحساس بالخجل.

المصدر : صحيفة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في «رمزية» الحركة الوطنية الأسيرة في «رمزية» الحركة الوطنية الأسيرة



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia