جونسون إذ يحتفي بمئوية بلفور

جونسون إذ يحتفي بمئوية بلفور

جونسون إذ يحتفي بمئوية بلفور

 تونس اليوم -

جونسون إذ يحتفي بمئوية بلفور

بقلم : عريب الرنتاوي

موقفان صدرا عن لندن مؤخراً، عكسا إلى حد بعيد، هيمنة العقلية الكولونيالية التي ما زالت تطبع أداء السياسة الخارجية البريطانية حيال قضية فلسطين والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ... الأول؛ وتمثل في اعتراض الخارجية على تصريحات جون كيري التي وصف من خلالها حكومة نتنياهو بأنها “الأكثر يمينية وتطرفاً” في تاريخ إسرائيل ... والثاني؛ ويتجسد في تحفظها على مقررات مؤتمر باريس الأخير، وغياب وزير خارجيتها عن جلساته، وإصرارها على إصدار بيان يتماهى مع مواقف أقصى اليمين الإسرائيلي والأمريكي على حد سواء.

من حق الفلسطينيين والعرب أن ينظروا إلى هذه المواقف الاستفزازية، بوصفها امتداداً للدور البريطاني الراعي للمشروع الصهيوني في فلسطين، والذي بلغ ذروته العدائية قبل مائة عام بالتمام والكمال، عند إصدار بلفور وعده المشؤوم، الذي بموجبه أعطى “من لا يملك إلى من لا يستحق” ... وبدل أن تتصرف بريطانيا التي كانت عظمى ذات يوم، من موقع “عقدة الذنب” أو “الرغبة في تصحيح خطأ تاريخي”، نراها تمعن في الانحياز لدولة الاحتلال والتوسع والاستيطان والعنصرية، وعلى حساب الشعب المنكوب بالانتداب البريطاني وما بعده.

سبعون دولة، أجمعت على الحاجة لإنقاذ حل الدولتين، واستشعرت المخاطر المبثوثة في سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة ومواقفها، واستهجنت الحملة الإسرائيلية المسعورة على المؤتمر “الخديعة” متهمة فرنسا والفلسطينيين بتدبيرها ... شاركت في المؤتمر، ووقعت البيان الختامي، من دون أن تغيب عن أذهان قادتها، المبررات السخيفة التي أوردها بيان الخارجية البريطانية.

الذرائع البريطانية للتحفظ على بيان المؤتمر وعدم المشاركة فيه إلا من موقع “المتابع” تتلخص في ثلاث: الأول؛ أن المؤتمر عقد بغياب طرفي النزاع، هنا لم تقل الخارجية البريطانية أن هذا الترتيب تم في ضوء إصرار إسرائيل على رفض المؤتمر منذ أن كان فكرة، وقيام حكومة اليمين واليمين المتطرف فيها، بشن أشد الحملات ضد المؤتمر برغم التوضيحات الفرنسية المتكررة، والتي كادت أن تنسف فكرة المؤتمر من أساسه، ولكن من دون جدوى.

والثاني؛ أن المؤتمر ينعقد بالضد من رغبة إسرائيل، وهنا بالذات، يتكشف الانحياز البريطاني الأعمى لإسرائيل، امتداداً لوعد بلفور في ذكراه المئوية، فكل شيء لا تريده إسرائيل ولا ترغب به، يصبح خطاً أحمر بريطانياً، وإسرائيل ليست راغبة في مؤتمر دولي ولا بمفاوضات ذات مغزى ولا بـ “حل الدولتين”، ولدى حكومتها اليمينية المتطرفة أجندة من نقطة واحدة: ابتلاع الأرض وتهويدها واستيطانها ... لا اكثر ولا أقل، وكل ما على الخارجية البريطانية أن تفعله، هو توفير الوقت والغطاء الكافيين لإتمام هذه المهمة، وهذا ما تفعله بريطانيا على أية حال تحت غطاء كثيف من العبارات المنمقة والزائفة عن رغبتها في التوصل إلى حل يرضي الطرفين.

والثالث؛ أن المؤتمر ينعقد على مسافة أسبوع واحد من تسلم إدارة ترامب لمقاليد البيت الأبيض والسلطة والقرار في واشنطن ... تدرك بريطانيا أن ترامب قادم بمشروع “نقل السفارة” و”شرعنة الاستيطان”، بل وتشجيعه ... فهل الرغبة البريطانية في انتظار ترامب تستبطن الرغبة في التعاون معه لتحقيق هذه الغايات أم هي محاولة يائسة وبائسة لثنيه عن مواقفه المدمرة لفرص السلام و”حل الدولتين”؟

بريطانيا تزعم أن بمقدورها من خلال العمل “اللصيق” مع الإدارة الأمريكية أن تثني واشنطن عن بعض مواقفها أو أن تدور بعض الزوايا الحادة في سياساتها ... تاريخ هذه المنطقة في السنوات الستين الماضية يبرهن على نجاح واشنطن في استتباع لندن وليس العكس، وليس ثمة ما يدعو للاعتقاد بان السنوات الأربع القادمة ستكون مختلفة، سيما بعد “البريكسيت”، فهل تعتقد الخارجية البريطانية أن “ذريعتها” هذه يمكن ان تنطلي على أحد؟

أحد اهداف الاستعجال في عقد مؤتمر باريس عشية تسلم ترامب مفاتيح البيت الأبيض، هو حاجة المجتمع الدولي لرسم خطوط ووضع قيود على مواقف وتحركات الرئيس المنتخب “غير المتوقعة”، حتى لا نقول الرعناء والهوجاء ... فكما فعلت إدارة أوباما في مجلس الأمن (القرار 2334) وفي تصريحات جون كيري، فعل المجتمع الدولي في باريس شيئاً مماثلاً، بيد أن بريطانيا لا تجد ضرورة لذلك، لأنها بالأصل ليست قلقة حيال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يثير حفيظتها ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية يومياً، وبصورة منهجية ومنظمة.

بعد مائة عام على الوعد المشؤوم، وستة عقود على “النكبة” ونصف قرن على احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية، وزير خارجية بريطانية بوريس جونسون يبرهن على أنه ما زال تلميذاً نجيباً في مدرسة آرثر جيمس بلفور الاستعمارية.... والمؤكد أن هذا الرجل الموصوف بـ “غريب الأطوار”، الأمريكي الجنسية حتى الأمس القريب، والداعم لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصاحب المواقف التي تفوح منها رائحة العنصرية، يتحرق شوقاً لمجيء ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي انفرد من بين زملائه الأوروبيين بالإشادة به، والتغني بـ “القواسم المشتركة” بينهما... يبدو أن ثمة مروحة واسعة من “المشتركات” بين اليمين البريطاني المحافظ واليمين الأمريكي الجمهوري، ومن خلفها أو في قلبهما اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل... يبدو أن لندن مصرة على تقديم “الهدايا المسمومة” للشعب الفلسطيني حتى بمناسبة مرور مائة عام على وعدها المشؤوم.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جونسون إذ يحتفي بمئوية بلفور جونسون إذ يحتفي بمئوية بلفور



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia