حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد

حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد

حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد

 تونس اليوم -

حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد

بقلم : عريب الرنتاوي

لا أحد مثل الفلسطينيين يعرف تمام المعرفة، خطط إسرائيل وألاعيبها، اكاذيبها ومناوراتها، فقد اختمرت تجربتهم وانصقلت بعد ما يربو على المائة عام من المواجهة مع الصهيونية منظمات وعصابات ودولة وقطعان مستوطنين... ولا أحد مثل الشعب الرازح تحت الاحتلال، القديم منه والحديث، قادر على انتاج المبادرات والأشكال الكفاحية المبدعة، التي تتعاطى مع كل ظرف مستجد، وتستجيب لكل تحدٍ ناشئ.

ففيما كان بعض العرب ينظرون باستخفاف للإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بشأن الحرم القدسي الشريف، عرف الفلسطينيون فوراً، أن خلف الأكمة ما وراءها، وأن “مؤقت إسرائيل دائم”، وان الأحزمة الأمنية كانت على الدوام، طريق تل أبيب للضم والإلحاق والتهويد والاستيطان ... لم يشتروا بضاعة نتنياهو الكاسدة، مثلما فعل بعض العرب الغافلين والمتخاذلين، ولم يأخذوا بالرواية الإسرائيلية، فقد خبروا عشرات بل ومئات الرواية المماثلة.

لم ينتظر شعب فلسطين قياداته حتى تتوحد، وتقدم المصلحة العليا على مصالح “أمراء الانقسام”، ولم ينتظر التعليمات لا من رام الله ولا من غزة، هبوا هبة رجل واحد، من القدس ومناطق الاحتلال القديم (1948) والضفة الغربية، ليحموا بأجسادهم العارية، عروبة مدينتهم وإرثها الإسلامي، وليبددوا بزحفهم الشعبي أسطورة “العاصمة الأبدية الموحدة”.

شبان وشابات، شيوخ ونساء ورجال، اصطفوا على خطوط التماس، يقذفون الجنود المدججين بالحقد والكراهية وآخر ما انتجت الصناعات الحربية، بحجارتهم وهتافاتهم ... مظاهر الخوف كانت بادية على وجوه القتلة والمحتلين، وليس على وجوه المتظاهرين السلميين العزّل ... تكشفوا عن عزيمة وإصرار، تنهض كدليل إدانة لحالة الخواء والتخاذل والانبطاح، التي تهيمن على المناخات الرسمية العربية.
 
القدس تحولت في يوم الغضب إلى ساحة حرب حقيقية، صولات وجولات وعمليات كر وفر ... ليست المسألة أين يصلي الفلسطيني، المسألة أكبر من ذلك بكثير ... الفلسطيني ينتصر لعاصمته وعروبة عروس عروبته وحقوقه فيها كاملة غير منقوصة، ومن ضمنها، وفي مقدمتها حقه في مسجده، القبلة الأولى والحرم الثالث ... الفلسطيني نظر للصورة الأكبر للمعركة في الأقصى وحوله، فيما قصار النظر، لم يأخذوا المسألة إلا من أضيق زواياها، فكانت الفجوة كبيرة كذلك، بين ردة فعل الشعب الفلسطيني وردة فعل النظام العربي الرسمي.

يعرف الفلسطينيون أن كثيرا من العرب قد ركنوا قضيتهم الوطنية في زوايا الطمس والنسيان، وأن جل ما سيصدر من ردود أفعال رسمية، هو اتصال هاتفي مع واشنطن، وبيان خجول ودعوات للتهدئة والهدوء، بصرف النظر عمّا ستؤول إليه هذه الجولة من المعارك حول القدس والمقدسات ... ولكنهم مع ذلك لم يهنوا ولم يحزنوا، فتاريخ قضيتهم الوطنية هو تاريخ “الخذلانات” المتتالية من قبل نظام عربي رسمي، مات من زمن بعيد.

في زمن الانقسامات المذهبية والطائفية، يخرج مفتي القدس ورئيس أساقفة سبسطية للحديث بلغة واحدة، نحن شعب واحد، والأقصى مثل القيامة، مقدسات فلسطينية تتعرض للتدنيس، والتصدي للمؤامرة الصهيونية، فريضة عين على كل مسلم ومسيحي في فلسطين ... تصدح الكنائس بالآذان عندما يعز رفعه في المساجد، ويطلب المفتي إلى مختلف مساجد القدس بغلق أبوابها حتى يفتح باب الأقصى ... مشهد كدنا ننساه في عصر حروب المذاهب والطوائف والقتل والتهجير على الهوية.

القدس والأقصى، يعيدان “تذخير” و”شحن” طاقة الغضب والانتفاض التي تعتمل في صدور الفلسطينيين جميعا، وما عاشته العاصمة الفلسطينية المحتلة في يوم الغضب، سيعطي زخماً جديداً للروحية الكفاحية الفلسطينية، وسيدرك نتنياهو أن شعب “الجبارين” عصي على الكسر والاستيعاب، وأن حرب المائة عام التي بدأت في العام 1917، لن تضع أوزارها في العام 2017.

المصدر: صحيفة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia