مصر ورحلة البحث عن مكان تحت الشمس

مصر ورحلة البحث عن "مكان تحت الشمس"

مصر ورحلة البحث عن "مكان تحت الشمس"

 تونس اليوم -

مصر ورحلة البحث عن مكان تحت الشمس

بقلم : عريب الرنتاوي

تؤسس آخر جلسات مجلس الأمن الدولي حول سوريا، لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية، تستعيد الكثير من مفردات الحرب الباردة وصورها، حتى أو زيراً ألمانيا قطع بأنه حتى في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين، لم يشهد المجتمع الدولي، مثل هذه الحدة والتصعيد في خطاب الاتهامات والتهديدات المتبادلة بين موسكو وواشنطن ... درجة الاستقطاب العالية، كانت محرجة جداً للدول التي لا تجد مصلحتها في الانحياز الكلي لهذا المعسكر، والانخراط الكلي في صفوف ذاك ... “التصويت المصري المزدوج” لصالح القرارين الفرنسي والروسي، على اختلاف الأهداف والدوافع الكامنة وراء كلٍ منهما، ينهض كشاهد على محدودية “هامش المناورة” الذي تبقى للقوى والدول المتأذية من هذا الاستقطاب.

معلوم، أن حلفاء مصر على الساحة العربية، وهم في الأصل دول الخليج، وبالأخص السعودية والإمارات، دعموا المشروع الفرنسي، ورفضوا المشروع “المهزلة” التي تقدمت بها روسيا على حد وصف صحف خليجية ... المندوب السعودي للأمم المتحدة وصف الموقف المصري بـ “المؤلم” والمندوبة القطرية وصفته بـ “المؤسف”، وكتاب الدولتين وآخرين من دول خليجية أخرى، حملوا على القاهرة، وذكروا بنكرانها لجميل المساعدات النفطية والمالية والاقتصادية التي لم تكف عن التدفق على القاهرة منذ الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان.

القاهرة، سعت في شرح موقفها، وقالت إنها لن تخضع للمزايدات والمناقصات في “بازار” الدم السوري، وأن المحرك الرئيس لقرارها بـ “التصويت المزدوج”، إنما كان الحرص على وقف إراقة الدم السوري، وسحبه من سوق النخاسة والمتاجرة، والانتصار للقضايا العربية، بعد أن تحولت أقطارنا إلى ملاعب لتصفية الحسابات في حروب الجميع ضد الجميع ... تفسيرٌ رأى البعض فيه تبريراً، ولكن القاهرة تصر على قراءتها الخاصة للمشهد.

يدفعنا هذا الافتراق المصري – الخليجي من على المنبر الأممي الأرفع، لرصد الأسباب الكامنة وراء الخلافات بين القاهرة والعواصم الخليجية، وبالأخص الرياض ... هنا تستذكر القاهرة دورها العربي القيادي، وتسعى في البرهنة أن أحداً لن يكون بمقدوره الحلول محلها، او قيادة العالم العربي من دون “شراكتها” ... الرسالة واضحة في هذا المجال.

لم تقطع القاهرة مع الخليج، فقد صوتت لمشروع القرار الفرنسي، وهي لا تستطيع أن تقطع مع دول الخليج، التي أغدقت عليها مالاً ومساعدات وتحويلات للعاملين كما لم تفعل أي دولة أو مجموعة أخرى في العالم ... لكن ذلك لم يمنع القاهرة من التذكير بأن شحنات النفط التي وعدت السعودية بتقديمها إليها، لم تصل بعد.

لكن القاهرة في المقابل، لن تقطع مع موسكو، واستتباعاً مع حلفائها، فثمة مصالح استراتيجية عميقة تربط مصر بهذا المحور، وهي لن تضحي بها كرمى لعيون الحلفاء، ولن تجعل من خلاف حول سوريا، يجهز على هذه العلاقات ويلحق الضرر الفادح بشبكة المصالح المرتبطة بها ... هنا تأتي وظيفة التصويت لصالح مشروع القرار الروسي ... وأحسب أن “واقعة مجلس الأمن” لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، في سياق التجاذبات المصرية – السعودية (الخليجية) والأمر مرشح لجولات جديدة قادمة.

قبل مجلس الأمن، كانت العاصمة الشيشانية، غروزني، ساحة تجاذب أخرى، ولكن في الميدان الفقهي والاعتقادي، مؤتمر “من هم أهل السنة والجماعة” أخرج الوهابية من الملّة، وقال فيها ما لم يقله مالك في الخمر، وبحضور مصري “ديني” رفيع المستوى” من الأوقاف والأزهر والافتاء... المؤتمر عُدّ انقلاباً مصرياً على هذه المدرسة ورعاتها، وأثار ما أثار من نقاشات وتداعيات.

قبلها، كانت الانتقادات تنهمر على القاهرة، لموقفها “المائع” من حرب السعودية في اليمن وعليه، وقيل إن القاهرة لم ترد الجميل لدول الخليج التي تخوض الحرب، وأنها اكتفت بالتأييد اللفظي الذي لم يقترن بأي “مجهود حربي”، ولو على شكل طلعة جوية أو قصف عن بعد، من قطعة البحرية ... مصر الملسوعة بالنيران اليمنية، كانت الأقدر على فهم تداعيات التورط، فآثرت السلامة والمجازفة، السلامة بعدم التورط الميداني والمجازفة بترك فجوة على سطح علاقاتها الخليجية .

والقاهرة التي تريد عن حق، علاقات وثيقة مع السعودية، لم تستطع أن تتماهى مع الموقف السعودي من الأزمة السورية، وحافظت على قنوات اتصال مضمرة وأحياناً شبه علنيه مع نظام الأسد، ولم تقبل من دون تحفظ بـ “رزمة المعارضات السورية” وآثرت أن تكون انتقائية في تعاملاتها معها ... هذا الموقف أغضب قطر والسعودية بخاصة، وهما العاصمتان الأكثر حماسةً لإسقاط نظام الأسد وترحيله.... وما ينطبق على الموقف المصري في سوريا، ينطبق على الموقف المصري حيال العراق، وإن بأشكال ومستويات وصور مختلفة.

وبين هذا وذاك من الاستحقاقات الكبرى في المنطقة، كنّا نقرأ بين الحين والآخر، تسريبات من مكتب السيسي لا تعكس وداً ظاهراً للسعودية ودول الخليج، وكنا نقرأ افتتاحيات ومقالات وتعليقات في الصحف والتلفزيونات المصرية، لا تعكس ما يتحدث عنه الخطاب الرسمي من علاقات “ودية وأخوية” ولا ينسجم مع نظرية “مسافة السكة”.

وفي المقابل، قرأنا مقالات وتغريدات تصدر عن دول خليجية، ولأشخاص معروفين بقربهم من مؤسسات صنع القرار، تشكو “لا جدوى” الاستمرار في تقديم المساعدات لمن “لا يستحقها”، أو عمل المعروف في غير موضعه ... الأمر الذي عبّر ربما، عمّا يجيش في الصدور وما يدور في الأنفس، وتجهد البيانات الرسمية في التغطية عليه وإخفائه.

مصر، ليست في أحسن أحوالها، هذا أمرٌ لا يكاد يختلف عليه اثنان ... لكن مصر، حتى وهي في أسوأ أوقاتها، تظل “لقمة كبيرة”، ستعجز أي “معدة عربية” عن هضمها وابتلاعها، وهي تجهد في إيجاد “مكان لها تحت الشمس” العربية الحارقة، تفلح حيناً وتخفق أحياناً ...

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر ورحلة البحث عن مكان تحت الشمس مصر ورحلة البحث عن مكان تحت الشمس



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia