أربعة سيناريوهات

أربعة سيناريوهات

أربعة سيناريوهات

 تونس اليوم -

أربعة سيناريوهات

بقلم : عريب الرنتاوي

لا يجادل أحدٌ في واقعة خان شيخون الإجرامية، ولم يبق طرفٌ من دون أن يدينها بأقوى العبارات وأشدها ... الخلاف يدور حول «حجم» الجريمة وهوية المتسبب بها ... ومع ازدحام الفضاء وصفحات الصحف والمواقع بطوفان الاتهامات المتبادلة، والروايات المتعددة، تشتد الحاجة للجنة تحقيق مهنية، موضوعية محايدة، تُلزم الأطراف بتقديم التسهيلات لها والانصياع لنتائج أعمالها وتوصياتها، وتقديم المتورطين إلى العدالة الجنائية الدولية ... هذا هو الطريق للخروج من حرب الروايات والاتهامات، وهذه هي الوسيلة لمنع الجاني/الجناة، من الإفلات من العقاب.

في غياب «المصدر الموضوعي المحايد» والمعلومة الصلبة، ثمة أربعة سيناريوهات تدور في الذهن، ومن باب التكهن بما جرى وكيف ولماذا ومن المسؤول:

الأول؛ أن يكون النظام قد فعلها، فقد فعلها من قبل، وقد يفعلها الآن، على الرغم من النفي المتكرر والقاطع للسلطات السورية، ووزير الخارجية وليد المعلم في مؤتمره الصحفي ... والنظام على أية حال، متهم من مروحة واسعة من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، على الرغم من أنها جميعها، لم تقدم رواية صلبة، مدعمة بالشواهد والأدلة عن مسؤولية النظام عن ثاني أكبر جريمة مروّعة بالسلاح الكيماوي بعد جريمة الغوطة الشرقية عام 2013.

الثاني؛ أن يكون فريق من النظام قد فعلها من دون قرار من رأس النظام، وفي سياق ما يمكن أن يُحكى عن خلافات داخلية، مع أن حديث الخلافات والانقسامات في صفوف النظام، قد خبا مؤخراً، لكن هناك نظرية تقول إن بقاء الأسد والحلقة الضيقة المحيطة به في السلطة، أمرٌ لا يروق لبعض أركان النظام، الذين – ربما –هالهم هذا التغيير في مواقف واشنطن والغرب حيال مصير الأسد ومستقبل النظام، فقرروا توريطه في مجزرة، لن ينجو منها وفقاً لحساباتهم أو تمنياتهم.

الثالث؛ أن تكون المعارضات الإسلامية (الجهادية) التي تمسك بزمام محافظة إدلب، ورعاتها الإقليميون، بالتحديد أجهزة استخبارات عربية وتركية، هي من نصب كميناً للنظام في خان شيخون، ودائماً بهدف قطع الطريق على التحولات التي طرأت على المشهد الدولي بعد تصريحات تيلرسون– كيلي عن الأسد، وبهدف تأليب الرأي العام الدولي ضد النظام، واستدرار مواقف دولية أكثر تشدداً من النظام ورئيسه، واستتباع استدراج تدخلات عسكرية ضده، لطالما انتظرها هذا الفريق واستدعاها من دون كلل أو ملل، وإن من دون جدوى.

والرابع؛ أن يكون الأمر برمته قد جاء بمحض الصدفة، التي هي بالنسبة للمعارضة ورعاتها، خير من ألف ميعاد، كأن يكون النظام قد شنّ واحدة من غاراته اليومية على أهداف للجماعات المسلحة، وصادف أن الموقع المستهدف، يستخدم لتخزين أسلحة دمار شامل، كيماوية، وأن الفرصة قد توفرت لهذا المحور، لإطلاق أوسع حملات التوظيف والاستثمار السياسيين، فهاج وماج، وبقية القصة معروفة.

لا يخطر في بالي أي سيناريو آخر، مع أنني فكرت في تخصيص واحد خامس، للزج بإسرائيل في هذه المسألة، ولكن بعد تقليب المسألة على كثيرٍ من جوانبها، لم أعثر – آسفاً – على ما يكفي من مبررات لاتهام «الكيان» الذي يحلو لبعضنا تحميلة وزر كل شاردة وواردة، بما فيها الأحداث المرورية في بلداننا.

السيناريوهات الأربع المُشار تبدو محتملة، وإن ليس بنفس الوزن والاحتمالية ... فالحرب الطاحنة والضروس في سوريا، لم تترك طرفاً نظيفاً واحداً، وفي «حرب الجميع ضد الجميع»، تلوثت كافة الأيدي بدماء السوريين الأبرياء، وليس لدى أي فريق حصانة أخلاقية أو قيمية، تجعله منزهاّ عن مقارفة أفعال سوداء كتلك التي أدمت بلدة خان شيخون.

قلنا بالأمس، ميدانياً وسياسياً يحتاج النظام لقدر هائل من الحماقة والغباء للقيام بفعلة كهذه، بعد أن دارت الدوائر وعاد المجتمع الدولي لتقبله وإبداء الاستعداد لمد اليد له ... لكن من قال أن النظام يلجأ دائماً لقوة المنطق، ولا يفضل عليها منطق القوة ... ونظرية «التآمر» على النظام من داخله، ليست لدي ما يعززها أو يعلي من شأنها، وفي مطلق الأحوال، فإن اندرجت الجريمة النكراء في سياق هذين السيناريوهين، استحق النظام لقب «عدو نفسه».

وقلنا بالأمس أيضاً، أن المعارضات المسلحة، بالذات من الطراز الإسلاموي،» الجهادي» على وجه الخصوص، لديها سوابق في استخدام هذا السلاح وفي القتل والتهجير والسبي والتشريد ... ولدى مشغليها ورعاتها، سوابق أكبر في الفبركة والتزوير والتدليس، ولديهم أذرع استخبارية وإعلامية طويلة، ويفتقرون لأي وازع من ضمير أو أخلاق يردعهم عن مقارفة أبشع الجرائم، طالما أنها قد تهدف أهدافهم السياسية.

لا مخرج من هذا التراشق ولا حلول لهذه الأحجية إلا بالاحتكام للتحقيق الدولي الدقيق، الموضوعي والمهني والمحايد ... أما الذين أعمت بصائرهم حروب الأيديولوجيات والمذاهب والانحيازات العمياء التي لا ترى من على يمينها أو شمالها، فقد أراحوا عقولهم وضمائرهم، الميتة أصلاً، إن باتهام النظام وتبرئة المعارضة، أو بالعكس، «هؤلاء من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد».

المصدر : صحيفة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أربعة سيناريوهات أربعة سيناريوهات



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia