توماس فريدمان إذ «يخترع العجلة»

توماس فريدمان إذ «يخترع العجلة»؟!

توماس فريدمان إذ «يخترع العجلة»؟!

 تونس اليوم -

توماس فريدمان إذ «يخترع العجلة»

بقلم : عريب الرنتاوي

ميّز توماس فريدمان في مقالة أخيرة له في «نيويورك تايمز» بين «داعش الافتراضية» و»داعش الإقليمية»، الأولى تعمل في عوالم الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وتنشر بواسطتها ثقافة العنف والكراهية والإرهاب، والثانية محددة بالنطاق الجغرافي لدولة البغدادي في سوريا والعراق ... وهو إذ يحذر من الأولى بوصفها التهديد الأكبر على أمن الولايات المتحدة و»العالم المتحضر»، فإنه ينصح إدارة ترامب بالكف عن محاربة داعش الثانية، طالما أنها تعادي بشدة كلا من روسيا وإيران ونظام الأسد وحزب الله، وتسبب لهم صداعاً مزمناً ... فريدمان، يعتبر قتال داعش في سوريا والعراق، «خدمة مجانية» يقدمها رجل لم يعتد على تقديم الخدمات المجانية لأحد، ويتساءل في مقالته، وبـ «البونط العريض» عن السبب الذي يدعو ترامب لقتال داعش؟.

يتعين على الكاتب والصحفي الأكثر شهرة في «العالم المتحضر»، أن يكون ساذجاً ليتقدم بعد ثلاث سنوات من إعلان الخلافة في الموصل، بهذه النصيحة لإدارته، وليبدو كمن «يخترع العجلة» أو «يكتشف النار» ... ذلك أن الإدارة الأمريكية لم تفعل شيئاً طوال السنوات الثلاث الفائتة، سوى ما اقترحه عليها متأخراً، الكاتب في الصحيفة الأمريكية الأشهر، فهي صمتت وتواطأت وأعطت أذنا من طين وأخرى من عجين، لنشؤ «الدولة» وتمددها، وكانت تقصد بذلك إضعاف خصومها في كل من سوريا والعراق وابتزازهم، بل أنها في موقفها السلبي والمتفرج حيال توسع التنظيم، كانت تضغط وتبتز حلفاءها وأصدقاءها في الوقت ذاته.

واشنطن كانت تعلم علم اليقين، من أين يأتون «المجاهدون» إلى «مملكة البغدادي، تعرف طرق انتقالها من أكثر من 80 دولة، ودائماً عبر تركيا، إلى سوريا والعراق ... كانت تعرف من يمول ويسلح ويدرب، وجميع هؤلاء القائمين على رعاية دولة البغدادي هم من أصدقاء واشنطن وحلفائها، ولطالما تسلمت الأجهزة والإدارات الأمريكية، عشرات إن لم نقل مئات التقارير، من الأصدقاء والأعداء، التي تشرح المسألة بدقة، ولكن في ظل صمت مطبق، يخفي أهدافاً مضمرة، لم تبدده المناوشات الجوية المتفرقة والخالية من كل مغزى، التي كانت تنفذها بين حين وآخر، تحت يافطة التحالف الدولي الستيني لمحاربة الإرهاب.

ثم، أن فريدمان نفسه، وفي مقالات سابقة، تساءل عن دور بعض أصدقاء واشنطن في دعم داعش،  وهو وغيره يعرفون تمام المعرفة، المنابع الفكرية المؤسسة لهذه الموجة من الإرهاب العنيف والوحشي، ولكنهم بدل التصدي لداعش وتجفيف مواردها الفكرية والمالية والبشرية والتسليحية، عملوا على توظيفها واستثمارها، تارة ضد إيران وحلفائها في العراق، وأخرى ضد إيران والأسد وحلفائهما في سوريا، ولاحقاً ضد موسكو بعد تدخلها العسكري في سوريا.

وما ينطبق على تعامل واشنطن مع داعش بدرجة، ينطبق بدرجات على تعاملها، هي ومروحة واسعة من الدول الغربية، مع جبهة النصرة ... هنا التوظيف والاستثمار فاقعان تماماً، وهنا يجري تنسيق عمليات منظمة لتأهيل المنظمة الإرهابية وإعادة تأهيلها، وهنا يجري عن سابق ترصد وإصرار، تغطية النصرة باسم المعارضة المعتدلة أو ثوار سوريا ... هنا تتوسع دائرة المنخرطين في لعبة الابتزاز القذرة، لتشمل إسرائيل، وعلى نحو مفضوح وأمام العدسات وبرعاية من رئيس الحكومة وأركانها ... فلمن يوجه السيد فريدمان نصائحه؟ ... وهل يعقل أن الرجل اللماح، لم يكتشف حقيقة ما يجري إلا بعد كل هذه السنوات؟

لقد ضبطت واشنطن إيقاع حربها البطيئة على داعش في العراق، لتحقيق أهدافها القديمة المتجددة، تحجيم النفوذ الإيراني في العراق، واستتباعاً إسقاط الحلفاء الأقرب لطهران، وتعزيز دور عناصر وقوى مؤيدة لواشنطن في العراق، وفي كل مرة، كانت واشنطن تعلن فيها عدم الجهازية للحرب على داعش، أو تأجيل المعارك الكبرى معها، كانت الأهداف السياسية لذلك تطفو واضحة تماماً ... وما حصل مع داعش في العراق، حصل شبيهاً له في سوريا، وما زال يحصل على نحو أكثر فداحة، مع جبهة النصرة.

أصاب فريدمان، عندما استل من ذاكرته حكاية توظيف الولايات المتحدة للقاعدة و»مجاهديها» في الحرب على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان ... وهو إذ استحضر التجربة للترويح لما يعتقده كشفاً وسبقاً، إنما كان يقر بأن بلاده كانت مسؤولة من بين آخرين، عن خروج مارد الإرهاب من قمقمه، بدءاً بأفغانستان، بيد أن الرجل لم يتعلم على ما يبدو من تجربة «العائدين من أفغانستان»، التي ينصح بتكرارها، ويريد لهذه الحرب المفتوحة أن تستمر، ولموجات الإرهاب أن تتعاقب، ودائماً بسبب «فوبيا إيران» و»وفوبيا بوتين» كذلك.

وأصاب فريدمان عندما تحدث عن خطورة «داعش الافتراضية»، لكنه أخطأ حين قلل من خطورة «داعش الواقعية»، أو «الإقليمية»، فخطورة الأولى نابعة من «قوة النموذج» الذي تقدمه الثانية، وقدرة الأولى على الترويج للإرهاب، ستضعف كثيراً (لا نقول ستنتهي) إن تم استئصال الخلافة واسترداد رقعتها الجغرافية وتدمير اقتدارها المالي والدعائي والعسكري والبشري.

وأظن أنه لا يخفى على فريدمان، أن واشنطن لم تتحرك بجدية ضد الإرهاب، ولم تتراجع عن سياسة «إطالة أمد الحروب في سوريا والعراق»، إلا بعد تسونامي اللاجئين، وطوفان الإرهاب، وهما الآفتان اللتان بدأتا تتهددان الساحات والميادين في أوروبا والولايات المتحدة ذاتها، بل والعالم بأسره ... فلا يظنن الرجل أنه جاء بكشف جديد، إنه باختصار يلخص سياسة بدأ العمل بها منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، وما زالت تلقي بظلالها على أداء واشنطن وبعض حلفائها في الحرب على الإرهاب حتى يومنا هذا.

المصدر : صحيفة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توماس فريدمان إذ «يخترع العجلة» توماس فريدمان إذ «يخترع العجلة»



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia