السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة

السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة

السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة

 تونس اليوم -

السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة

بقلم : عريب الرنتاوي

ستتحول سلطة الأمر الواقع في غزة، إلى أداة جبارة لإعادة صياغة حركة وتشكيلها، طالما أن الاحتفاظ بهذه السلطة، بات أولوية لا تتقدمها أية أولوية أخرى ... وسنرى طوابير الصقور من قادة الكتائب والأسر المحررين، يلتحقون تباعاً بأسراب الحمائم ... وسيصبح التنقل بين دمشق والضاحية الجنوبية والدوحة والقاهرة وطهران، وربما أبو ظبي في قادمات الأيام، أمراَ شرعياً تماماً... حتى اللقاء مع عدو الحركة وخصمها اللدود، العقيد المنشق محمد دحلان، سيكون أمراً جائزاً ومحبذاً، وقد تدعمه «هيئة كبار العلماء المسلمين» الجاهزة دوماً لإصدار الفتاوى الشرعية حول الشيء ونقيضه.

وبدل أن تنجح الحركة في تحويل سلطة أوسلو إلى سلطة مقاومة، رأينا السلطة تحول الحركة من حركة مقاومة إلى «حزب سلطة» لا يستطيع أن يفارقها، ويبتني لنفسه وقادته منظومة من المصالح التي يصعب التخلي عنها، مادياً ومعنوياً ... رأينا السلطة تعيد تشكيل الحركة، بدل أن تنجح الحركة في إعادة تشكيل السلطة.

حين كان «التمكين» يقتضي التحالف مع طهران ودمشق وحزب الله، كانت حماس ركناً ركيناً في «محور المقاومة والممانعة»، وعندما هبّت رياح «الربيع العربي»، ومالت الكفّة في غير صالح دمشق، غادرها مكتب الحركة السياسي إلى غير رجعة، ولم يتردد رئيسه عن التدثر بـ «علم الثورة السورية» والتلويح به مهرجانات إسطنبول، وصارت الدوحة وأنقرة هما فرسا الرهان الأساسيين، والرافعة الكبرى للتمكين وإدامة سلطة الأمر الواقع... ومرة أخرى، لا بأس من إجراء كثير من التغيرات والتعديلات على برنامج الحركة وطروحاتها، وفقاً لمقتضيات الحلف الجديد، التي ينبع بعضها من حساباته الخاصة، وأكثرها من حسابات الشركاء الدوليين للدولتين الراعيتين لحماس.

اليوم، تبدو قطر في أضيق الزوايا وأحرجها، وأياً كان «سيناريو المخرج» الذي سينهي الأزمة بين الإمارة الصغيرة وشقيقاتها الكبريات، في مجلس التعاون وخارجه، فإن من المؤكد أن قطر الغد، لن تكون أبداً مثل قطر الأمس ... حتى أن رئيس وزراء الإمارة الأشهر، ووزير خارجيتها الأسبق ، بات يتحدث بلغة الاستعطاف ويستحضر مفردات العلاقة بين الشقيقة الكبرى والشقيقة الصغرى، فيما وزير خارجيتها الحالي، لا يمل من تكرار استعداد بلاده لتفهم مخاوف ومصالح «الرباعي العربي» الذي يشن حرباً غير مسبوقة ضد قطر.

هنا والآن، يبدو أن الحركة بصدد تلمس مواقع خطواتها للمرحلة المقبلة ... لا مكان مريح لقيادتها في الخارج، انقضت سنوات اللجوء في دمشق، حيث تحول الضيف إلى مضيف... وسنوات اللجوء ذي الخمسة نجوم في الدوحة، يبدو أنها في طريقها إلى نهايتها الحتمية كذلك ... يحدث ذلك، قبل أن يتمكن «الابن الضال» من العودة إلى أحضان أمه، في محور طهران – دمشق – الضاحية، لأسباب تتعلق بمخاوفه من تبعات هذه النقلة، وانعدام ثقة حلفاء الأمس، بالشريك الذي لا يعرف الاستقرار في خندق واحد، والذي يتصرف في بعض الأحيان، كالموظف المستجد في شركة صغيرة الحجم، والذي يبدأ منذ اليوم الأول لتسلمه مهام وظيفته، بإرسال سيرته الذاتية إلى شركات أكبر بحثاُ عن وظيفة بشروط أفضل.

هنا والآن، تبدو الحركة على أتم الاستعداد للتفكير بالانضواء تحت رايات محور جديد، قد يكون القاهرة – أبو ظبي هذه المرة ... أسبابها في ذلك، تعود إلى اختناقها بغزة واختناق غزة بها، أما بوابتها إليه فتتمثل في عدو الأمس، محمد الدحلان ... فالتفاهمات التي أبرمت بين الجانبين في طريقها للتنفيذ، والأنباء تتحدث عن زيارة وفد من الحركة للإمارات، ظاهرها اللقاء مع الدحلان، وباطنها تفتيح قنوات اتصال مع رعاته وداعميه.

إن كان الترياق المطلوب لإسالة بعض الدماء في شرايين سلطة الأمر الواقع المترنحة سيأتي من هذا المحور، فالأرجح أن الحركة لن تتردد عن طرق أبوابه، حتى وإن كانت فاتورة هذا الانتقال باهظة للغاية ... هنا لا نستطيع القول إن حماس قد تنقل بندقيها من كتف إلى كتف، فلا بنادق في الدوحة وأبو ظبي لحماس وخيار المقاومة ... هنا ستدخل الحركة على خط التأهيل وإعادة التأهيل، التكيف والتواؤم، مع مقتضيات «مرحلة ما بعد سقوط حكم الإخوان في مصر» والتي تكاد تكون متلازمة مع مرحلة ما بعد دمشق، مع فاصل زمني قصير للغاية.

إدامة حكم حماس في غزة هو متبدأ جملتها وخبرها، وهو الحافز الأكبر لإصدار ميثاق الحركة الجديد، والانفتاح على أعداء الأمس ... لكن أنظار حماس لا تبتعد عن الضفة الغربية، ورهانها على الحلول محل السلطة والمنظمة وفتح وعباس لا ينقطع، ولكن من بوابة التكيف والتأهيل هذه المرة، وليس من بوابة «المقاومة والممانعة»، والتي قد تنهي حكم حماس في غزة، بدل أن تفتح لها أبواب الضفة في الظرف الإقليمي والدولي الراهن ... وإن لم تفز حماس بالضفة والمنظمة، ظفرت بالقطاع، وهذا أضعف الإيمان ... وإن تعثر مسار انهاء احتلال الضفة ومسار انهاء الانقسام، فإن من المؤكد أن حماس ذاهبة للانفراد بإمارتها في غزة، مهما كلف الأمر، ودائماً تحت ستار كثيف من دخان الشعارات الكبيرة والبراقة.

كنّا نظن أن انخراط حماس في النظام السياسي الفلسطيني وتبنيها لخطاب واقعي أمرٌ قد يقرّب الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه وبناء مؤسساته واستعادة وحدته، لكن ما غاب أن أذهاننا ورهاناتنا وقراءاتنا، أن هذه الحركة، شأن كثير من الحركات، وامتداداً لفلسفة الجماعة الأم، مسكونة بنظرية «التمكين»، وأن شغفها بالسلطة، لا يقل إن لم يزد، عن شغف فتح وقيادتها بالسلطة، أو بتعلق النظم العربية القائمة بها، بمن فيها الأنظمة التي طالما حملت الحركة عليها ودعمت خصومها ومعارضيها، كما جرت عليه الأحوال في سوريا ومصر على وجه الخصوص.

المصدر : صحيفة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia