«غروزني» وصـراع المرجعيات

«غروزني» وصـراع المرجعيات

«غروزني» وصـراع المرجعيات

 تونس اليوم -

«غروزني» وصـراع المرجعيات

بقلم : عريب الرنتاوي

كلما أكثرنا من الحديث عن “حوار الأديان والحضارات”، ازداد المسلمون تفرقاً وتمزقاً ... وكلما توغلنا في السعي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ازداد كل مذهب منها، تشتتاً وانقساماً واحتراباً ... آخر صيحات الانقسام الداخلي بين “أهل السنة والجماعة” ما حصل من تداعيات لمؤتمر غروزني الذي عقد تحت عنوان “من هم أهل السنة والجماعة؟”، وبحضور كثيف ورفيع من الأزهر ودار الإفتاء المصرية، ومشاركة عربية فاعلة.

بعد مرور أكثر من عقد من الزمان على رسالة عمان التي أوصت خيراً بالمذاهب الإسلامية الثمانية الرئيسة، ذهب مؤتمر غروزني بعيداً في “المايكرو” عند شروعه في تصنيف أهل السنة والجماعة ... وبرغم إدراجه المذاهب الأربعة الحنفية والحنبلية والشافعية والمالكية في عداد أهل السنة، إلا أن المؤتمر أخرج “السلفية  وجماعة الإخوان المسلمين” من فردوس أهل السنة والجماعة، بوصفها فرقاً طائفية دخيلة على السنة، مبقياً على المحدّثين والأشعرية والماتريدية.

المؤتمر لم يمر مرور الكرام، فقد جوبه بعاصفة من الانتقادات شديدة اللهجة من قبل شيوخ السلفية والاتحاد العالمي لكبار العلماء المسلمين وعشرات غيرهم، أفراداً ومؤسسات، الذي حملوا على “إسلام بوتين” واعتبروا المؤتمر برمته، فعلاً سياسياً مشبوهاً من قبل محور بعينه، يستعدي الإخوان المسلمين أساساً، ويضمر شراً بالمدارس السلفية، وأحسب أن تفاعلات المؤتمر وتداعياته، ستتوالى فصولاً في المرحلة المقبلة، وستحتدم على إيقاع الصراعات السياسية وحروب المحاور والمعسكرات المتقابلة في الإقليم برمته.

والحقيقة أن المؤتمر، ما كان ليحظى بكل هذا الاهتمام ويستجلب كل ردود الأفعال التي أثارها، لولا عدة عوامل أساسية: الأول، أنه عقد بمشاركة مصرية رفيعة وكثيفه، حضره شيخ الأزهر ودار الإفتاء ورهط من العلماء... والثاني، أنه عقد في “غرزوني” التي يرتبط بها صعود نجم فلاديمير بوتين من جهة، وانهيار الحركة الإسلامية الشيشانية من جهة ثانية، وبتنظيم من رمضان أحمدوفيتش قديروف، الصديق المقرب لبوتين، والرجل الأكثر حماسة لمقاتلة الجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا.

الأزهر الذي استشعر أنه “تورط” في جدل سياسي، بدا أنه لم يكن مستعداً لمواجهة هذا السيل العارم من الاتهامات والانتقادات، حاول تطويق عاصفة الانتقادات بالتأكيد على مضامين كلمة شيخه في المؤتمر، من دون التوقف عند النتائج الختامية له، لكأنه أراد القول إنه مسؤول عمّا صدر عنه، وليس عمّا صدر عن المؤتمرين، وتلكم مرافعة ضعيفة على أية حال، لم تنجح في إيقاف تسونامي الانتقادات.

لكأننا أمام فصل جديد من فصول الصراع المحتدم حول “المرجعية الدينية” واستتباعاً “المرجعية السياسية” في المنطقة... الأزهر الذي احتل مكانة “المرجعية” زمن صعود مصر وازدهار دورها الإقليمي، يدخل اليوم بكل ثقله للدفاع عن وضعيته المرجعية في مواجهة علاقات متوترة أصلاً مع جماعة الإخوان المسلمين وشديدة الالتباس مع المدرسة السلفية  ... أما المدرسة الإخوانية التي بقيت في الظل وخلف القضبان لسنوات وعقود، فقد انتعشت آمالها في العقد الأخير، مع صعود الإسلام السياسي التركي ووصولها إلى سدة الحكم في بضع دول عربية وازنة، وهي “تجاهد” كيلا تعود ثانية إلى الزوايا المعتمة، ودائماً في سياق صراع سياسي محتدم على “الدور” و”الزعامة”، داخل البيت السنّي هذه المرة، ومن دون اتهامات ظاهرة لإيران بالتدخل بالشؤون الداخلية لأهل السنة والجماعة.

في المقابل، تعتقد روسيا أنها تدافع عن “حقها” في إعادة انتاج “إسلام روسي” متكيف مع سياق الحضاري والتاريخي والثقافي، تماماً مثلما تفعل فرنسا وألمانيا هذه الأيام، بحثاً عن “إسلام فرنسي” و”إسلام ألماني”، وستحذو دول عدة حذو هذه البلدان في فعل الشيء ذاته، لمواجهة “طبعات متشددة”، على حد تعبير خبراء من هذه الدول، من “الإسلام غير المتسامح”، الذي غزا المنطقة والعالم في السنوات الثلاثين الفائتة، وبات يتهدد هوية دولها ومجتمعاتها ويضرب نسيجها، ويشكل بيئة خصبة لإنتاج التطرف والغلو، واستتباعاً الإرهاب.

وجميع هذه الدول من دون استثناء، تبحث عن “حلفاء” لها من داخل العالمين العربي والإسلامي، يمدون لها يد العون لإنتاج “إسلامها الخاص” ... ألمانيا التي طالما اعتمدت على “المدرسة التركية” تبحث الآن عن مدارس بديلة، فرنسا تستنجد بالرابطة المحمدية و”الإسلام المغربي” لملء الفراغات والشواغر من الأئمة والوعاظ ورجال الدين، وروسيا تجد في الأزهر الشريف، حليفاً يمكن الوثوق به لمواجهة المد السلفي داخلها وعلى تخوم جوارها الإسلامي الكثيف والعميق.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«غروزني» وصـراع المرجعيات «غروزني» وصـراع المرجعيات



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia