الأردن وتركيا وإشكالية العلاقة مع الحليف الأكبر

الأردن وتركيا وإشكالية العلاقة مع "الحليف الأكبر"

الأردن وتركيا وإشكالية العلاقة مع "الحليف الأكبر"

 تونس اليوم -

الأردن وتركيا وإشكالية العلاقة مع الحليف الأكبر

بقلم :عريب الرنتاوي

لا أحد يمكنه التشكيك بمكانة كل من الأردن وتركيا في الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة، الأردن حليف موثوق ويمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه، وهو ظل من بين حلفائها الكثر، الأكثر أمناً واستقراراً، ولديه أدوار لعبها في أزمات المنطقة المفتوحة والتي تحيط به من جهاته الأربع، وفوق هذا وذاك، كان له إسهامه المقدر في الحرب على الإرهاب في المنطقة وخارجها، وهو قدّم الدعم «سخياً» لحلفاء واشنطن في «عراق ما بعد صدام حسين» و»ليبيا ما بعد القذافي»، وهو حليف لحلفاء واشنطن في التحالف العربي في اليمن والتحالف الإسلامي ضد الإرهاب، والتحالف الدولي في كل من العراق وسوريا.

وتركيا، الدولة الكبرى، وعضو نادي العشرين للدول الصناعية الأكثر تقدمًا، عضو «الأطلسي» وحامية حدوده الشرقية، وصاحبة ثاني أكبر جيوشه، والتي كانت مرشحة حتى الأمس القريب، لعضوية الاتحاد الأوروبي، قبل الانقلابات في السياسات التركية الداخلية ... حاضنة واحدة من أكبر القواعد الأمريكية في الخارج (أنجرليك)، وصاحبة التجربة التي سعت الولايات المتحدة لتعميمها نموذجاً للتزاوج المشروع بين الإسلام والعلمانية، مقابل الدعوة السلفية / الوهابية، والجماعة الإخوانية.

لعلاقات الأردن مع الولايات المتحدة، كما لتركيا، طابع خاص وفريد ... فهي عابرة للإدارات المتعاقبة، وعابرة للحزبين اللذين يتناوبان السلطة في واشنطن، ولدى كل منهما، بطريقته الخاصة، مداخل وقواعد ارتكاز لدى مؤسسات «الدولة العميقة» في الدولة الأعظم ... مع أن قدرة تركيا، كبلد كبير، على اللعب في الهوامش، والاحتفاظ بمساحة للمناورة والاختلاف والتباين عن الولايات المتحدة، لا تقارن ببلد كالأردن، لديه هوامش ضيقة نسبياً للمناورة وحرية الحركة.... الأردن يأتي بعد إسرائيل، كثاني دولة متلقية للمساعدات الأمريكية، نسبة لعدد السكان، وتركيا تؤهلها مكانتها، للحصول على آخر ما أنتجته الترسانة العسكرية الأمريكية، ولطالما حظيت بموقع الدولة الأولى بالرعاية من قبل الحليف الأمريكي. 

كل ذلك، لم يمنع الولايات المتحدة، وتحديداً في عهد إدارة الرئيس ترامب، من أن تكون سبباً في صداع مزمن، قد يتحول إلى «تهديد وجودي» لكلا الدولتين الحليفتين ... واشنطن، قبل ترامب، وفي عهد أوباما، حملت على أكتافها، ملف «الكيانية الكردية» المستقلة أو شبه المستقلة، بما يهدد أمن تركيا واستقرارها وسلامة وحدتها الوطنية والترابية .... وواشنطن، بعد «صفعة القرن»، تقامر بتهديد أمن الأردن واستقراره، وهويته الوطنية وسلمه الاجتماعي، وأعمق مصالحه، وشرعية مستمدة في جوانب منها، من «شرعية دينية»، ورعاية ممتدة لمائة عام، للأقصى المبارك والمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.

واشنطن في عهد ترامب، تتنكر لأعمق المصالح التركية، وتبرز على السطح كلاعب مثير للقلق والمتاعب، دع عنك كل ما أشيع، عن صمت وتواطؤ مع المحاولة الانقلابية في أواسط العام 2016 ... وهي في سياساتها «الكردية» وانتشارها العسكري على مقربة من الحدود التركية مع كل من سوريا والعراق، لا تسعى فقط في احتواء إيران وضرب الإرهاب فحسب، بل وتعمل على لجم الطموحات التركية، والتلويح المستمر لأنقرة، بأن «الأسوأ» ما زال بانتظارها، إن هي ذهبت بأبعد ما هو مسموح، في علاقاتها مع طهران وموسكو.

وواشنطن في عهد ترامب كذلك، تصرفت مع الأردن، كما لو أنه دولة «لاتينية» بعيدة كل البعد عن فلسطين وصراعها مع إسرائيل في سبيل حرية شعبها واستقلاله، وهي التي تدرك أن للأردن مصالح في كل ملف من ملفات الوضع النهائي للمسألة الفلسطينية (الحدود، المياه، اللاجئون، القدس، السيادة، وغيرها) ... ويذهب صهر الرئيس بملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وصفقة القرن، إلى حد التصريح بأن السيادة والوصاية على القدس، العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل، هي من حق إسرائيل ومن حقها وحدها ... هكذا ومن دون مواربة أو روتوش، حتى لا نقول من دون «حياء أو خجل».

لا خوف على تركيا، فهي دولة كبيرة واقتصاد ناهض وديموغرافيا لا يمكن التقليل من وزنها، وفوق هذا وذاك، فلديها نظام سياسي يستمد قاعدته الاجتماعية وشرعيته من صناديق الاقتراع، وهي أتقنت لعبة «الرقص فوق حبل دقيق»، وتناور بين موسكو وطهران والخليج وواشنطن وبروكسيل ... لكن من حق الأردن، الدولة الصغيرة، أن تقلق وأن تتحسب، وأن تعمل بكل جهدها، لمواجهة استحقاق قد لا يكون بعيداً، وبرغم صعوبة الموقف، إلا أن الفرص لم تستنفذ، وكذلك ما تيسر من أوراق قوة، ما زالت بيده، وبيده وحده.

المصدر : جريدة الدستور

لا أحد يمكنه التشكيك بمكانة كل من الأردن وتركيا في الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة، الأردن حليف موثوق ويمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه، وهو ظل من بين حلفائها الكثر، الأكثر أمناً واستقراراً، ولديه أدوار لعبها في أزمات المنطقة المفتوحة والتي تحيط به من جهاته الأربع، وفوق هذا وذاك، كان له إسهامه المقدر في الحرب على الإرهاب في المنطقة وخارجها، وهو قدّم الدعم «سخياً» لحلفاء واشنطن في «عراق ما بعد صدام حسين» و»ليبيا ما بعد القذافي»، وهو حليف لحلفاء واشنطن في التحالف العربي في اليمن والتحالف الإسلامي ضد الإرهاب، والتحالف الدولي في كل من العراق وسوريا.

وتركيا، الدولة الكبرى، وعضو نادي العشرين للدول الصناعية الأكثر تقدمًا، عضو «الأطلسي» وحامية حدوده الشرقية، وصاحبة ثاني أكبر جيوشه، والتي كانت مرشحة حتى الأمس القريب، لعضوية الاتحاد الأوروبي، قبل الانقلابات في السياسات التركية الداخلية ... حاضنة واحدة من أكبر القواعد الأمريكية في الخارج (أنجرليك)، وصاحبة التجربة التي سعت الولايات المتحدة لتعميمها نموذجاً للتزاوج المشروع بين الإسلام والعلمانية، مقابل الدعوة السلفية / الوهابية، والجماعة الإخوانية.

لعلاقات الأردن مع الولايات المتحدة، كما لتركيا، طابع خاص وفريد ... فهي عابرة للإدارات المتعاقبة، وعابرة للحزبين اللذين يتناوبان السلطة في واشنطن، ولدى كل منهما، بطريقته الخاصة، مداخل وقواعد ارتكاز لدى مؤسسات «الدولة العميقة» في الدولة الأعظم ... مع أن قدرة تركيا، كبلد كبير، على اللعب في الهوامش، والاحتفاظ بمساحة للمناورة والاختلاف والتباين عن الولايات المتحدة، لا تقارن ببلد كالأردن، لديه هوامش ضيقة نسبياً للمناورة وحرية الحركة.... الأردن يأتي بعد إسرائيل، كثاني دولة متلقية للمساعدات الأمريكية، نسبة لعدد السكان، وتركيا تؤهلها مكانتها، للحصول على آخر ما أنتجته الترسانة العسكرية الأمريكية، ولطالما حظيت بموقع الدولة الأولى بالرعاية من قبل الحليف الأمريكي. 

كل ذلك، لم يمنع الولايات المتحدة، وتحديداً في عهد إدارة الرئيس ترامب، من أن تكون سبباً في صداع مزمن، قد يتحول إلى «تهديد وجودي» لكلا الدولتين الحليفتين ... واشنطن، قبل ترامب، وفي عهد أوباما، حملت على أكتافها، ملف «الكيانية الكردية» المستقلة أو شبه المستقلة، بما يهدد أمن تركيا واستقرارها وسلامة وحدتها الوطنية والترابية .... وواشنطن، بعد «صفعة القرن»، تقامر بتهديد أمن الأردن واستقراره، وهويته الوطنية وسلمه الاجتماعي، وأعمق مصالحه، وشرعية مستمدة في جوانب منها، من «شرعية دينية»، ورعاية ممتدة لمائة عام، للأقصى المبارك والمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.

واشنطن في عهد ترامب، تتنكر لأعمق المصالح التركية، وتبرز على السطح كلاعب مثير للقلق والمتاعب، دع عنك كل ما أشيع، عن صمت وتواطؤ مع المحاولة الانقلابية في أواسط العام 2016 ... وهي في سياساتها «الكردية» وانتشارها العسكري على مقربة من الحدود التركية مع كل من سوريا والعراق، لا تسعى فقط في احتواء إيران وضرب الإرهاب فحسب، بل وتعمل على لجم الطموحات التركية، والتلويح المستمر لأنقرة، بأن «الأسوأ» ما زال بانتظارها، إن هي ذهبت بأبعد ما هو مسموح، في علاقاتها مع طهران وموسكو.

وواشنطن في عهد ترامب كذلك، تصرفت مع الأردن، كما لو أنه دولة «لاتينية» بعيدة كل البعد عن فلسطين وصراعها مع إسرائيل في سبيل حرية شعبها واستقلاله، وهي التي تدرك أن للأردن مصالح في كل ملف من ملفات الوضع النهائي للمسألة الفلسطينية (الحدود، المياه، اللاجئون، القدس، السيادة، وغيرها) ... ويذهب صهر الرئيس بملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وصفقة القرن، إلى حد التصريح بأن السيادة والوصاية على القدس، العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل، هي من حق إسرائيل ومن حقها وحدها ... هكذا ومن دون مواربة أو روتوش، حتى لا نقول من دون «حياء أو خجل».

لا خوف على تركيا، فهي دولة كبيرة واقتصاد ناهض وديموغرافيا لا يمكن التقليل من وزنها، وفوق هذا وذاك، فلديها نظام سياسي يستمد قاعدته الاجتماعية وشرعيته من صناديق الاقتراع، وهي أتقنت لعبة «الرقص فوق حبل دقيق»، وتناور بين موسكو وطهران والخليج وواشنطن وبروكسيل ... لكن من حق الأردن، الدولة الصغيرة، أن تقلق وأن تتحسب، وأن تعمل بكل جهدها، لمواجهة استحقاق قد لا يكون بعيداً، وبرغم صعوبة الموقف، إلا أن الفرص لم تستنفذ، وكذلك ما تيسر من أوراق قوة، ما زالت بيده، وبيده وحده.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأردن وتركيا وإشكالية العلاقة مع الحليف الأكبر الأردن وتركيا وإشكالية العلاقة مع الحليف الأكبر



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 14:26 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت الخميس29-10-2020

GMT 14:52 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 18:06 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 18:37 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 09:37 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

إليك وجهات سياحية رخيصة يمكن السفر إليها في بداية العام

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 22:42 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

هاني شاكر يشارك جمهوره أول أغنية له في 2021 "كيف بتنسى"

GMT 08:32 2021 الخميس ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاقم عجز الميزانية التونسية بنسبة 28 في المائة

GMT 06:18 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

بقلم : أسامة حجاج

GMT 23:32 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

فوائد جمة لاستخدام قناع الخيار لصاحبات البشرة الدهنية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia