السيناريو الأرجح للحل «النهائي» في سوريا

السيناريو الأرجح للحل «النهائي» في سوريا

السيناريو الأرجح للحل «النهائي» في سوريا

 تونس اليوم -

السيناريو الأرجح للحل «النهائي» في سوريا

بقلم ـ عريب الرنتاوي

مناخات التفاؤل بقرب التوصل إلى حل سياسي لسوريا التي سادت في المنقلب الثاني من العام الفائت، تبددت كلياً أو تكاد ... الأزمة في طريقها للتفاقم، على وقع تفاقم حدة الصراع الروسي – الأمريكي كونياً، وفي سوريا وعليها على نحو خاص ... والأزمة مرشحة لمزيدٍ من الانسدادات، المتأتية عن ارتفاع وتائر العدائية الأمريكية ضد إيران وحلفائها ... سوريا، هي الساحة الأبرز، لـ «مكاسرة الإرادات» وعلى جبهاتها المتعددة والمتداخلة، سترتسم ملامح النظام الإقليمي – العالمي الجديد.

الحرب في سوريا وعليها، تغادر مربع «حروب الوكالة»، مع أن هذا النمط من الحروب سيستمر لفترة ستطول أو تقصر، وأطراف الصراع الإقليميون والدوليون، يحشدون براً وبحراً وجواً، على الأرض وفي المياه والأجواء السورية وعلى مقربة منها وفي جوارها ... خمسة جيوش نظامية كبرى، تمارس هذا الحضور المباشر: الأمريكي، الروسي، التركي، الإيراني والإسرائيلي ... وثمة مناوشات، وقعت بالفعل بين سياق «حروب الأصالة»: القصف الأمريكي لوحدات روسية شبه نظامية في دير الزور، الضربة الصاروخية الأمريكية على مطار الشعيرات، والتلويح أخيراً بتنفيذ ضربات مماثلة... الضربات التركية لوحدات سورية شبه نظامية في جوار عفرين... الغارات والضربات الإسرائيلية الصاروخية ضد أهداف إيرانية وسورية وأخرى تابعة لحزب الله في سوريا (زادت عن 120 ضربة وغارة) ... نحن إذا، نقف على عتبة الانتقال من «حروب الوكالة» إلى «حروب الأصالة»، مع أن هذا الخيار دونه الكثير من المحاذير، وتحرص أطراف عديدة على تفادي سيناريو مرعب كهذا.

على الأرض السورية، يجتمع معظم، إن لم نقل جميع، أعداء واشنطن وحلفائها، وفقاً للاستراتيجية الكونية الجديدة التي كشف عنها الرئيس دونالد ترامب: الرجعيون (روسيا أساساً والصين بدرجة أقل) ... الأشرار (إيران أساساً وكوريا الشمالية كمورد للسلاح الصاروخي) ... والإرهابيون (حزب الله والميليشيات الإيرانية وداعش والنصرة) ... وليس لدى واشنطن سبب لترك هؤلاء جميعاً يظفرون بالنصر، أو أن تستتب سوريا لسيطرتهم.

في مناخات عودة «الحرب الباردة» بأسوأ فصولها على الساحة الدولية، وصولاً إلى «الحرب الكيماوية» وإطلاق العنان لسباق تسلح جديد، وصولاً لبلوغ القطبين حافة سباق تسلح نووي جديد، من المنتظر أن تظل سوريا، كما كانت عليه في السنوات السبع العجاف الفائتة، ساحة تصفية الحسابات ... ومن المرجح أن يلعب «العاملان الإقليمي والدولي» دوراً حاسماً في تعقيد الأزمة بدل «حلحلتها» وتفكيك عقدها.

في مثل هذه المناخات الضاغطة، والمرشحة للتصاعد والتفاقم، يبدو أن مساري جنيف وأستانا في طريقهما للانهيار ... مناطق خفض التصعيد، تلفظ أنفاسها في الشمال الغربي وغوطة دمشق الشرقية، والجنوب الغربي، مع ارتفاع منسوب التوتر في درعا ومحيطها، وتواتر الأنباء عن جولة تصعيد واسعة النطاق، قد تندلع قريباً... أما عن مسار سوتشي الذي ولد «معاقاً»، فمن المرجح أن يسقط بدوره في مستنقع الصراع الأمريكي – الروسي المتفاقم الذي من غير الواضح، متى سيضع أوزاره وكيف يمكن احتواء تداعياته الإقليمية، وبالذات على الساحة السورية.

حتى الثلاثي الضامن لمسار أستانا ومناطق خفض التصعيد، تتعرض العلاقات بين أضلاعه الثلاثة لاهتزاز شديد، تركيا التي أتقنت فنون الرقص على الحبلين الأمريكي والروسي، تتوسع في شمال غرب سوريا، بما يثير أعمق مشاعر القلق لدى دمشق وطهران، وليس مستبعداً في كل الأحوال، بل ومن المرجح في قادمات الأيام، أن يتحول شهر العسل القصير نسبياً، بين طهران وأنقرة، إلى مواجهة شاملة.

في مثل هذه الظروف والتعقيدات والتداخلات، ليس متوقعاً أبداً، أن يقدم أي فريق أو محور على تجريب خيار «الحسم العسكري» مع بقية الأفرقاء والمحاور ... وليس مرجحاً أبداً أن تنجح هذه المحاور في المقابل، في اجتراح حلول وتسويات، تستجيب لمصالح الأطراف وتطلعاتهم وحساباتهم المتناقضة، ما يُبقي سوريا، أمام سيناريو واحد مرجح: 

أما هذا السيناريو، فيقوم على احتفاظ كل محور أو فريق، بما لديه في سوريا ومنها، أرضاً وشعباً وقوى حاضنة ... واشنطن ستحتفظ بربع سوريا في شرقيها وشمالها الشرقي (شرق الفرات أساساً)، وبحضانة كردية، وهذا يفسر سر الانتشار العسكري الأمريكي «المُستدام» في هذه المنطقة، وهدفه الأوضح بالطبع: قطع الطريق البري الإيراني الممتد من «قزوين» إلى «شرق المتوسط»، ويعزز فرص قيام كيان كردي مستند إلى ثروات المنطقة المائية والزراعية والمعدنية ومنابع النفط والغاز الوفيرة في محيط دير الزور.

وستحتفظ تركيا وفقاً لسيناريو الأمر الواقع، بحزام أمني ممتد من المتوسط إلى شرق الفرات، وإن بترتيبات خاصة في محيط «منبج»، سيما بعد أن شارفت عملية «غضن الزيتون» على نهاياتها في عفرين ... أما الجنوب الغربي، فسيظل ساحة شد وجذب، إسرائيل ستستعى للاحتفاظ بشريط أمني بعمق 20 – 40 كلم، والأردن معني بإبعاد داعش والنصرة والميليشيات المحسوبة على إيران، عن حدوده الشمالية.

أما منطقة الساحل، فستكون ساحة نفوذ مستدام للقاعدتين العسكريتين الروسيتين، وصولاً إلى دمشق، حيث ستتشاطر موسكو وطهران الهيمنة والنفوذ والمصالح في هذه المنطقة.

لم تستقر الأطراف بعد في مناطق نفوذها، ولم ترتسم الحدود النهائية لمناطق تقاسم النفوذ؛ ما سيفتح الباب رحباً أمام المزيد من المعارك والمواجهات الدامية، قبل أن تقر الأطراف – واقعياً – وليس «رسمياً» بخرائط التقاسم وحدودها... سيعمد النظام وحلفاؤه إلى «تطهير» مناطق محيط دمشق وغوطتها من الجماعات الإرهابية والمسلحة، ويبدو أن ثمة إقراراً دولياً بذلك، برغم الضجيج الإعلامي والدعائي الذي يصم الآذان الذي يصاحب عمليات الجيش السوري فيها، وتركيا ستعزز قبضتها بعد أن تربط مناطق سيطرتها في «درع الفرات» و»غضن الزيتون» بمحيط «منبج»، والولايات المتحدة ماضية في تعزيز قواعدها في شرق سوريا وجنوبا وشمالها وعلى مقربة منها ... أما درعا وجوارها، فهي بانتظار جولة جديدة من المواجهات، سترتسم بنهايتها حدود التقاسم.

ستنتفي الحاجة لمؤتمرات السلام ومسارات أستانا وجنيف، وستُستبدل بقنوات الاتصال الأمنية والعسكرية لتفادي «الأخطاء الكارثية» وتجنب الانزلاق لمواجهات مباشرة، كما يحدث الآن تماماً ... وسيحل الـ «De Facto» محل «الحلول التفاوضية» للأزمة، وقد يستمر هذا «الأمر الواقع» لسنوات عديدة قادمة، بانتظار هبوب ريح جديدة في العلاقات الإقليمية، وقبل أن يستقر النظام العالمي الجديد على شكله وقواعده الجديدة.

المصدر : جريدة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيناريو الأرجح للحل «النهائي» في سوريا السيناريو الأرجح للحل «النهائي» في سوريا



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia