نجح الاستفتاء وأخفق «تقرير المصير»

نجح الاستفتاء وأخفق «تقرير المصير»

نجح الاستفتاء وأخفق «تقرير المصير»

 تونس اليوم -

نجح الاستفتاء وأخفق «تقرير المصير»

بقلم : عريب الرنتاوي

من يتتبع ردود الأفعال الكردية على نتائج الاستفتاء وتداعياته الصعبة، يظن أن “الجماعة” أخذوا على حين غرة، ولم يكونوا متحسبين ليومٍ كهذا، مع أن كثرة كاثرة من أصدقائهم من غير الكرد، وبعض الكرد أحياناً، لطالما حذّروا من مخاوف حقيقية من مغبة عودة “القضية الكردية” إلى الوراء بدل تقدمها للأمام في ضوء نتائج “الاستفتاء”، أحادي الجانب، الذي رُتّب على عجل، وغالباً لأسباب تتصل بالمصير الشخصي والعائلي والحزبي لزعيم الإقليم: مسعود البرزاني... كنّا حذرنا في حواراتنا في السليمانية من نجاح الاستفتاء الذي نتحفظ على توقيته وملابساته، وفشل “تقرير المصير” الذي ندعمه بكل قوة باعتباره حقاً أساسياً من حقوق الشعب الكردي الشقيق.

في الأنباء، أن الكرد بعثوا برسائل لأصدقاء لهم في بغداد، من ضمنهم الدكتور إياد العلاوي، يعرضون فيها تجميد نتائج الاستفتاء لمدة عام أو عامين، وهو الاقتراح الذي تقول المصادر، أن بغداد رفضته رفضاً مطلقاً، مشددة على وجوب إلغائه وكأنه لم يكن ... مثل هذا العرض، إن صحت الأنباء بشأنه، سبق وأن قدّم للسيد البرزاني على طبق من فضة، ومن قبل الموفد الأمريكي، ورفضه رفضاً تاماً، قبل الاستفتاء بأسبوع واحد على أقل تقدير.

وفي الأنباء أيضاً، أن القيادة الكردية بدأت تتحدث عن الاستفتاء بوصفه تصويتاً على “حق تقرير المصير، وليس ترسيماً للحدود”، مع أن فكرة إجراء الاستفتاء في محافظات الإقليم الثلاث (أربيل، السليمانية ودهوك) وتفادي إجرائه في المناطق المتنازع عليها، سبق وأن عرضت على رئيس الإقليم، ومن قبل موفد واشنطن ذاته، لكن البرزاني رفضه بشدة، وأصر على “حدود الدم” التي تفصل الإقليم عن بقية العراق، انسجاما مع مواقف سابقة صدرت عنه اعتبر فيها أن حدود الإقليم تنتهي حيث يتوقف تقدم قوات “البيشمركة” وأن المادة 140 قد أنجزت ولا عودة لها أبداً.

وفي الأنباء أن قيادة الإقليم عرضت تولي مراقبين عراقيين من بغداد أمر مراقبة العمل في مطاري أربيل والسليمانية، مقابل رفض شديد لتوليها الإشراف على المعابر البرية، وهو موقف يستبطن أشد المفارقات والتناقضات ... قبل الاستفتاء، لم يكن يخطر ببغداد أن تتقدم بطلب كهذا، ولم يكن موضوع المراقبين مطروحاً على جدول أعمال العلاقة بين المركز والإقليم ... الآن، تأتي المبادرة بهذا الشأن من أربيل وليس من بغداد، وفي ظرف غير مواتٍ للإقليم وكرده على الإطلاق.

لم تُستكمل بعد الإجراءات والعقوبات التي فرضتها بغداد، أو هي بصدد فرضها على الإقليم، وبعضها مؤذٍ للغاية من نوع وقف التعامل مع البنك المركزي “الكردي”، و”تأميم” النفط العراقي بالكامل بما في ذلك المنتج والمصدر في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، ولم تستكمل دول جوار الإقليم الأخرى إجراءاتها العقابية المنسقة مع بغداد، ومع ذلك، بدأنا نرى الصراخ يتعالى في السليمانية وأربيل، وبدأنا نشهد على مسلسل متسارع من التنازلات المتتالية من قبل القيادة الكردية، وبما يعيد للأذهان كل الحديث الذي جرى تبادله مع كرد العراق، حول قدرة الإقليم على الانفصال “عنوّة” عن بغداد، ومحدودية الوسائل والأدوات التي يتوافر عليها “إقليم داخلي” محاط بجوار غير صديق على الإطلاق.

من آيات هذا التبدل السريع في المواقف، ما صدر عن السليمانية من مناشدات للمرجعية الشيعية آية الله السيستاني، طالبة إليه تحريم الاقتتال الشيعي – الكردي، سيما بعد مع تفاقم التهديد وتزايد حالات التفلت الصادرة عن “الحشد الشعبي” وبعض القوى السياسية العراقية ... لا يعني ذلك أن الكرد رفعوا الراية البيضاء، أو أن “ركبهم أخذت في الاصطكاك”، لكن “القوم” فوجئوا على ما أظن، بأن المركز ما زال فاعلاً، وأن الحكومة في بغداد، لديها الكثير من الأوراق تلعب بها وتشهرها في الوقت الذي تشاء.

والحقيقة أننا كنّا في غنى عن كل هذا وذاك، لو أن قدراً من العقلانية والسلوك الرشيد، قد هيمن على عملية صنع القرار في أربيل، وجرى تغليب المصلحة العامة، الكردية والعراقية، على المصالح الشخصية والعائلية والحزبية عند اتخاذ القرار بالاستفتاء، والإصرار عليه، بالضد من آراء ونصائح وضغوط مختلف الأطراف العراقية والإقليمية والدولية (باستثناء إسرائيل) ... لقد حصلت أربيل على عروض أفضل بكثير مما تعرضه هي اليوم، ومع ذلك رفضتها جميعها، واليوم تسعى في إدراك ما يمكن تداركه.

وإذ لحظنا، نحن الزائرون إلى السليمانية قبل الاستفتاء بأيام قلائل، أن ثمة نوعاً من الانقسام المضمر داخل البيئة والأحزاب الكردية حول قضية الاستفتاء (بعضه كان معلناً)، إلا أن الأنباء تترى حول مزيد من الانقسامات ... وقد يصبح الاستفتاء الذي أراده البرزاني مدخلاً لتجديد شرعيته وتمديد ولايته وتجديدها وتوريثها، ورافعة لتكريس زعامته العائلية المطلقة للشعب الكردي، مسماراً أخيراً أو قبل أخير، في نعش الرجل ومستقبله السياسي ... فالنصر له مائة أب، أم الفشل فيتيم ... والمؤكد أن البرزاني لم ينتصر، وأن ثمة من ينتظر الفرصة بفارغ الصبر، لإهالة التراب على إرثه السياسي، الإشكالي وموضع الخلاف والجدل على أي حال.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجح الاستفتاء وأخفق «تقرير المصير» نجح الاستفتاء وأخفق «تقرير المصير»



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia