«التهدئة» بلا معنى إن لم يكن لها ما بعدها

«التهدئة» بلا معنى إن لم يكن لها ما بعدها

«التهدئة» بلا معنى إن لم يكن لها ما بعدها

 تونس اليوم -

«التهدئة» بلا معنى إن لم يكن لها ما بعدها

بقلم : عريب الرنتاوي

انفرد الأردن بالإعلان عن "وقف إطلاق النار" في جنوب سورية، ونسبت مختلف وكالات الأنباء "المعلومة" إلى مصدر أردني ابتداءً ... دلالة الأمر لا تخفى على المراقب الحصيف، الأردن أكثر من غيره، وقبل غيره، معني باستقرار الوضع في جنوب سورية، لأنه ببساطة ثاني أكبر المتضررين من الانفجار الكبير، بعد السوريين أنفسهم.

وقف إطلاق النار، مطلوب وضروري، ليس لأسباب إنسانية فحسب، بل لتفادي سيناريو الانجرار إلى مواجهات أوسع في سورية، وتورط قوى إقليمية ودولية مباشرة في أتون هذا الصراع، مع أن احتمالات هذا السيناريو في تناقص مطّرد، لاسيما بعد هبوب رياح الانفراج الدولي، وتحديداً على خط موسكو – واشنطن، وعلى مبعدة أسبوعين فقط، من أهم قمة يعقدها زعيما الدولتين الكبريين منذ سنوات، وربما عقود طوال.

على أن "وقف النار" في الجنوب السوري، لا يمكن أن يكون أمراً مهماً بذاته، بل وقد لا يكون أمراً ممكناً، أو حتى مفيداً لجهة تعزيز أمن واستقرار المحافظات الجنوبية الثلاث، واستتباعاً، أمن واستقرار حدود الأردن الشمالية، ما لم يرتبط بترتيبات أوسع وأشمل، تشتمل على تسويات ومصالحات، تعيد الدولة السورية بمؤسساتها المدنية والعسكرية المختلفة، إلى كافة أرجاء الجنوب السوري، مع مراعاة مخاوف ومتطلبات وحسابات الأطراف ذات الصلة، وهو أمرٌ يبدو ممكناً، بل ومرجحاً كما أكدت ذلك وقائع الأسابيع القليلة الفائتة.

ومن أبرز هذه الوقائع، ما تردد عن "تفاهمات صلبة" روسية أميركية، انفراج أميركي – روسي، طلب مجلس الأمن من المعارضة إخلاء "شريط فك الاشتباك" بين سورية وإسرائيل، توطئة لعودة قوات "الإندوف" وتفعيل العمل باتفاق فك الاشتباك 1974، فاعلية غرفة المراقبة المشتركة الأردنية – الروسية – الأميركية، وتحديداً الحضور الأردني النشط على خط التهدئة والمصالحة والتسوية.

منذ أسبوع أو أكثر، ونحن نتحدث عن "سباق الحرب والدبلوماسية" في الجنوب السوري، باعتبار أن "خفض التصعيد"، لم يعد خياراً ممكناً بحكم طبيعته، كإجراء مؤقت وترتيب انتقالي، ورجحنا أن يذهب السيناريو الواقعي نحو "مزيج" من العمل الدبلوماسي والعسكري، ولقد نجح الجيش السوري بدعم روسي كثيف، كان لا بد منه، في ضوء "الفيتو" المرفوع على وجود قوات إيرانية أو حليفة لإيران في هذه المنطقة، في تسجيل اختراقات نوعية وسريعة على جبهات عديدة، وها نحن نشهد عودة المفاوضات والمفاوضين للبحث في تفاصيل الحل السياسي لأزمة الجنوب، والمؤكد أن حلاً كهذا، سيأتي متضمناً لكل أسس التفاهمات الإقليمية والدولية حول هذا الموضوع.

والحقيقة أن اللجوء إلى استخدام القوة لتسريع ولادة الحل السياسي، كان ضرورياً على ما يبدو، لتذليل العقبات المتأتية عن مواقف قوى وأطراف، لا مصلحة لها في إحراز تقدم على طريق إغلاق هذا الملف ... فثمة قوى "جهادية مسلحة" في الجنوب (النصرة وداعش)، تعرف أن أي حل سيكون على حسابها، وثمة أطراف إقليمية تراجعت أدوارها على نحو ظاهر في الأزمة السورية، وبالأخص في جنوبها (تركيا وبعض الدول الخليجية)، وثمة عواصم أوروبية، تنظر بعين الشك والريبة لإرهاصات الانفراج في العلاقة بين موسكو وواشنطن، من بينها فرنسا وبريطانيا ... في ضوء كل هذه المعطيات، كان ينبغي إيصال الأزمة في الجنوب إلى "حافة الحسم" ميدانياً، ليصبح للتفاوض السياسي معنى ونتيجة.

هي مسألة وقت، لا أكثر ولا أقل ... ملف الجنوب حُسم لصالح موسكو ودمشق وحلفائهما، ربما إيران وحزب الله، هما الأقل استفادة من ثمار هذا النصر، بعد أن استقرت التفاهمات الإقليمية والدولية على إبعاد قواتهما إلى "مسافة أمان" شمال الحدود، لكن من السذاجة إدراجهما في قائمة "الخاسرين" من آخر جولات الميدان والحلبة الدبلوماسية في الجنوب وعليه، مع أنهما هذه المرة، لا يتصدران قائمة "الرابحين"، التي يحتل الأردن مكانة متقدمة على رأسها، بعد أن أطل شبح اللجوء الكثيف برأسه من جديد، وبصورة تتهدد أمن الأردن واستقراره ومصلحته الوطنية العليا.

وإن كنت في موقع من يقدم المشورة لصانع القرار في الدولة الأردنية، لأشرت عليه بفتح قنوات اتصال رفيعة المستوى مع دمشق، وتفعيل القناة الروسية كما لم يفعل من قبل، ليس لدرء خطر المزيد من موجات اللجوء الكثيف فحسب، بل ولتأسيس عودة مئات ألوف اللاجئين الذين وصلوا إلى البلاد خلال السنوات الثماني الماضية، وأن يشرع فوراً في تحضير العطاءات لفتح معبر "جابر/نصيب"، والشروع في دعوة قطاع الأعمال من تجار وصناعيين أردنيين، لوضع الخطط والاستراتيجيات لاستئناف التبادل مع سورية، وعبرها مع لبنان وأوروبا، والتفكير بخطط للمشاركة في إعادة إعمار سورية ... هذه هي وجهة تطور الأحداث ومسارها، ومن مصلحة الأردن، أن يكون سبّاقاً ومبادراً على هذا الصعيد، دون التفكير مطولاً بحسابات بعض السياسات الإقليمية الرعناء، التي قادت المنطقة إلى مسلسل مفتوح من الأزمات والكوارث.

المصدر : جريدة الأيام

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«التهدئة» بلا معنى إن لم يكن لها ما بعدها «التهدئة» بلا معنى إن لم يكن لها ما بعدها



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 14:26 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت الخميس29-10-2020

GMT 14:52 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 18:06 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 18:37 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 09:37 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

إليك وجهات سياحية رخيصة يمكن السفر إليها في بداية العام

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 22:42 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

هاني شاكر يشارك جمهوره أول أغنية له في 2021 "كيف بتنسى"

GMT 08:32 2021 الخميس ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاقم عجز الميزانية التونسية بنسبة 28 في المائة

GMT 06:18 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

بقلم : أسامة حجاج

GMT 23:32 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

فوائد جمة لاستخدام قناع الخيار لصاحبات البشرة الدهنية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia