عن «المثقف» و«السياسي» في البيان الوزاري لحكومة الرزاز

عن «المثقف» و«السياسي» في البيان الوزاري لحكومة الرزاز

عن «المثقف» و«السياسي» في البيان الوزاري لحكومة الرزاز

 تونس اليوم -

عن «المثقف» و«السياسي» في البيان الوزاري لحكومة الرزاز

بقلم : عريب الرنتاوي

أجاد الرزاز/المثقف، في توصيف المرحلة الراهنة في تاريخ الأردن، فهي مرحلة تاريخية، وصفت تارة بـ"الفارقة" وتارة ثانية بـ"المهمة" وثالثة بـ"المهمة بكل المعاني"، وهي مرحلة "استثنائية"، وقد ورد هذا التعبير أربع مرات في البيان الوزاري، وهي ثمرة "مخاض عسير" لا تقوى على حمله "أكبر الدول وأقواها"... إلى غير ما هنالك من توصيفات، بدأ بها بيان الحكومة الوزاري، ولا اعتراض لديّ على التوصيف والتشخيص.

كما أن "الرزاز/المثقف" قد برع في رسم خط النهاية للعمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يطمح لإطلاقها من موقعه على رأس الحكومة، فهو ذكرنا بـ"مئوية الدولة" التي تطل برأسها، وتحدث عن "الدولة الناضجة، ثابتة الأركان، واضحة الأهداف والنهج"، وهو اشتق تعبير "النموذج الديمقراطي الأردني"، وأتي خمس مرات على ذكر مشروع "النهضة" بوصفها الغاية المنشودة، ومرّ على "العقد الاجتماعي" أربع مرات، بوصفه الوسيلة لبلوغ هذه الغاية (لست واثقاً من حكاية العقد/الوسيلة، لكن هذا مبحث آخر).

وهو أعطى "المواطن" واشتقاقاته من نوع "المواطنة والمواطنين" موقعاً محورياً بوصفه دافع الضرائب وصاحب المال العام، وأحسب أن هذه المفردة بتنويعاتها، قد سجلت رقماً قياسياً في البيان الوزاري؛ إذ جرى تكرارها 32 مرة على الأقل. أما منظومة القيم والمبادئ الناظمة لمشروع النهضة، فقد جاءت على الترتيب: العدالة (11 مرة)، الحرية (7 مرات)، سيادة القانون (4 مرات) المساواة (3 مرات) الديمقراطية (3 مرات)، فضلاً عن التسامح والوسطية واحترام الرأي والرأي الآخر، من دون أن يغفل الاقتباس المهم من أقوال الملك المؤسس في بداية البيان، ومن ابن خلدون في خاتمته.

لكن الرزاز/السياسي لم يصب النجاح ذاته، وهو يرسم لنا خارطة الطريق للانتقال من حالنا الاستثنائية/التاريخية الراهنة، إلى آفاق الغد المشرق والجميل، فقد بدا البيان محمّلاً بالنوايا والرغبات الطيبة، التي لا أشكّك بتوفرها عند الرئيس ونفر غير قليل من وزراء حكومته. لكن البيان والتشكيل الوزاريين، جاءا محمّلين أيضاً، بما عجّت به بيانات وزارية سابقة، لحكومات تعاقبت على الدوار الرابع، ولم يكن لها من أدوار سوى التخلي عن ولايتها العامة، بشهادة الملك في حديثه أمام كتاب وإعلاميين، وتعميق الأزمة الاقتصادية والاستعصاء السياسي، بدلالة ما حدث على الدوار الرابع وغيره من مواقع الاعتصام وبؤر التظاهر في "هبّة رمضان" المجيدة الفائتة.

البعض يرد ذلك إلى "ضعف في خبرات الرئيس"، وهذا ما لا أتفق معه، فالرجل ومنذ سنوات عديدة، يتنقل في مواقع المسؤولية بالحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات النفع العام، والبعض الآخر ردّ المسألة إلى مداخلات وتعقيدات، برزت عند التأليف وعند إعداد البيان، من شأنها خفض سقوف التوقعات، وتقليص الرهانات، واستتباعاً، تبديد الزخم السياسي والشعبي الذي جاء بـ"التكليف" وأحاط به وأعقبه.

نحن لا نعرف ما المقصود بالنهضة الشاملة، والبيان لم يتوقف عند هذه النقطة، رغم محوريتها في كتابي التكليف والرد، والبيان، وما هي كيفية ومعايير الوصول لهذه المرحلة، ولا نعرف ما الذي قصده الرئيس بحديثه عن "ترسيخ العقد الاجتماعي الجديد"، فهل هناك عقد اجتماعي يجب العمل على ترسيخه؟ وهل هو جديد؟ وكيف نرسخه إن كان كذلك؟ هل هو دستور المملكة النافذ، حيث يصبح القول بتفعيل الدستور أدق من ترسيخ العقد الاجتماعي الجديد؟ وهل يليق بنا القول بتفعيل الدستور؟ أليس الأصل في الأشياء أن يكون مفعلاً؟ وهل الدستور بحاجة إلى تعديلات، لكي يصبح هو مصدر العقد الجديد وإطاره، بل وأن يكون هو بالذات، هذا العقد الاجتماعي من ألفه إلى يائه؟ وإن كان كذلك، فما هي هذه التعديلات المطلوبة؟ وهل ستدفعنا لملكية دستورية وحكومات برلمانية وديمقراطية قائمة على التعددية الحزبية كما ورد في الأوراق النقاشية، أم ماذا؟

هل النهضة ممكنة من دون توافق وطني على قواعد اللعبة السياسية في البلاد، ومن دون إجماع ملزم، حول منظومة "فوق دستورية" للحقوق والواجبات؟ وهل النهضة ممكنة من دون حكومات برلمانية؟ وهل هذه ممكنة من دون قوانين انتخاب وأحزاب وبلديات ولامركزية جديدة، وقائمة على مبدأ التعددية الحزبية أساساً؟ البيان الوزاري لم يجب على هذه الأسئلة، وترك المهمة معوّمة لزمن لاحق.

ثمة في البيان الوزاري العديد من التفاصيل والمهام، وحتى المنهجيات المعتمدة في صياغة بيانات من هذا النوع، ما يستحق التثمين والتأييد، لكنها ليست من نوع "المعالجات الاستثنائية" للمرحلة الاستثنائية، ولا ترقى لأن تكون في الوقت ذاته، معالم على طريق النهضة والاستنهاض. ثمة مقطع غير مكتمل البناء في الجسر الافتراضي الواصل ما بين راهنٍ فارق واستثنائي وتاريخي، ومستقبل يليق بمئوية الدولة الناضجة، العادلة، المدنية والديمقراطية.. دولة جميع أبنائها وبناتها، دولة سيادة القانون الواحد، دولة العدالة والمساواة الراشدة، دولة التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، الدولة المجسدة للنموذج الديمقراطي الأردني، مع أنني لست ميالاً للقبول بفكرة النموذج في الأساس... وللنقاش صلة.

المصدر: جريدة الأيام
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «المثقف» و«السياسي» في البيان الوزاري لحكومة الرزاز عن «المثقف» و«السياسي» في البيان الوزاري لحكومة الرزاز



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia