أبعد من مجرد «سعر الرغيف»

أبعد من مجرد «سعر الرغيف»

أبعد من مجرد «سعر الرغيف»

 تونس اليوم -

أبعد من مجرد «سعر الرغيف»

بقلم ـ عريب الرنتاوي

يستطيع من شاء، أن ينظر للاحتجاجات الشعبية التي صاحبت وأعقبت قرارات رفع الدعم وزيادة الضريبة، بوصفها “فشة خلق”، سرعان ما تخبو مظاهرها، وتذهب صيحاتها جفاءً... أما “الزبد”، وهو هنا عائدات القرارات الحكومية، فيبقى في حسابات المالية وستظهر نتائجه في أرقام العجز والدين... وثمة إرث طويل عريض، من “الفزعات الشعبية” التي سرعان ما تندلع وسرعان ما تتلاشى من دون أن تحدث فرقاً جوهرياً... يوفر معيناً لا ينضب للإحساس الخادع بالطمأنينة واليقين، الذي يبدو أنه يسكن مروحة واسعة من صناع القرار في الحكومة.

ويستطيع من شاء، ألا يرى في “سورة الغضب” التي اجتاحت مدناً أردنية مختلفة، سوى تعبير عن الاحتجاج على ارتفاع الأسعار وتآكل الأجور وتراجع مستويات الدخل والعيش لشرائح متزايدة من الأردنيين ... لكأن كل ما في السياسات الحكومية، أمر صائب ومقبول، وأن المشكلة تنحصر فقط في الجانب المالي والاقتصادي، وأنها بالأساس عائدة لشح الموارد .

مثل هذه القراءات، قد تنفع في تخدير حس المسؤول في الحكومة، أياً كان موقعه أو طبيعة عمله، بالمسؤولية عن قراراته وسياساته وأفعاله، بل وقد تقنعه بأنه أدى قسطه للعلا، وأقدم على فعل ما أحجم نظراؤه “الأوائل” عن فعله، وربما ظن لبرهة من الوقت، بأنه يستحق التكريم والشكر والتقدير، بدل الاتهامات والشتائم التي زخرت بها الاحتجاجات واشتعلت بالكثير منها، وسائل التواصل الاجتماعي.

بيد أن تجاربنا وتجارب غيرنا، أثبتت أن مثل هذه القراءات، مخادعة تماماً، وأنها إن أظهرت قدراً من الصحة في بعض الأحيان، إلا أنها ليست صالحة في جميع الظروف والحالات، بل وتعاند “ديالكتيك الحياة والمجتمع”، الذي يحذر من لحظة انقلاب “الكم” إلى “نوع” بعد سلسلة من التراكمات، فتتغير الحسابات والتوقعات، ولكن بعد فوات الأوان ...

ثمة ظاهرتان تستوقفان المراقب عن كثب، لأحداث الجمعة الأخيرة... الأولى؛ أن معظم المنخرطين في التحركات الاحتجاجية، وهم كثر بالمناسبة، كانوا من خارج المنظومة الحزبية المعروفة، صحيح أن الأحزاب شاركت في التظاهرات ودعت إليها، لكن حجم الاستجابة والحضور، كان أكبر من الأحزاب ذاتها، سيما في ظل استنكاف أكبر أحزاب المعارضة، حزب جبهة العمل الإسلامي عن المشاركة الفاعلة، لأسباب لا يرغب في مناقشتها أو البوح عنها ... والثانية أن سقف الشعارات كان مرتفعاً،  وقد تخطى الأسعار والضريبة والخبز، إلى محاربة الفساد والإصلاح السياسي المصحوب بسياسات اقتصادية واجتماعية مغايرة لما درجنا عليه منذ الأزمة الكبرى في العام 1989.

ثمة قناعة مترسخة لدى القطاع الأعرض من الأردنيين، تعزو ضائقتنا الاقتصادية أساساً إلى استشراء الفساد والهدر وسوء استخدام الوظيفة ... وليس المهم ما إذا كانت هذه القناعة صحيحة أم لا، فالأهم أن الرأي العام مقتنع بها، ويزداد اقتناعاً بهذه الفرضية، في ضوء إحجام الحكومات المتعاقبة عن الإفصاح عن “كلفة الفساد” وملاحقة المتورطين به، وثمة قناعة تزداد رسوخاً، بأن هذا النمط من الحكومات، تكويناً وطريقة تشكيل، بات السبب وراء ما نحن فيه وعليه، من تأزم اقتصادي واجتماعي ... ثمة إحساس عميق بالحاجة لتغيير طريقة إنتاج النخب وتولي المسؤولية والولاية، فأزمة الثقة بين الحكومات والشارع، بلغت حداً يجعل من الصعب على رئيس الحكومة أو وزرائه، إجراء التواصل، وإدارة الحوار المطلوب مع المواطنين في أماكن تواجدهم، وعلى اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم.

مثل هذا الانتقال، غير المفاجئ في مطالب المحتجين وشعاراتهم، من الاقتصاد إلى السياسة، ومن الخبز إلى محاربة الفساد، ومن انعدام الثقة بالبرلمان إلى انعدام الثقة بالحكومة، يجب أن يقابل بوقفة تأمل ومراجعة حقيقية، تجريها مؤسسات الدولة مع الرأي العام، وليس بالغرف المغلقة، وتنخرط فيها مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية والفكرية والاجتماعية، للوصول إلى خريطة طريق، لاستئناف مسار الإصلاح والتحول الديمقراطي، بدءاً بقانون انتخابي جديد، واجراء انتخابات مبكرة وصولاً لتشكيل حكومة برلمانية، وبخلاف ذلك، يتعين علينا أن نقلق..

نقلًا عن جريدة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من مجرد «سعر الرغيف» أبعد من مجرد «سعر الرغيف»



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia