رسائل البغدادي المفتوحة و«المشفّرة»

رسائل البغدادي المفتوحة و«المشفّرة»

رسائل البغدادي المفتوحة و«المشفّرة»

 تونس اليوم -

رسائل البغدادي المفتوحة و«المشفّرة»

بقلم : عريب الرنتاوي

بين آخر «ظهورين» بالصوت والصورة لـ»أبو بكر البغدادي»، ثمة مسافة قصيرة بالزمن لا تتعدى الخمس سنوات، بيد أنها كافية لتسجل قصة صعود وهبوط «الأسطورة»، أسطورة «الخلافة الإسلامية» ودولتها التي نهضت بالسيف والدم، وفوق ركام من الجثث والمقابر الجماعية ودمار البنيان والعمران.
تثاقل الخليفة وتؤدته، وهو يصعد محراب جامع النوري في الموصل في العام 2014، معلناً قيام دولة الخلافة على منهج النبوة، لا يقارن بحركاته البطيئة والمتثاقلة، وهو ينعى من مكان ناءٍ، دولته وخلافته، ويعلن انتهاء معركة «الباغوز»، ويزف ثلة من رفاق دربه الذين سبقوه إلى «الشهادة» ... في الأولى، كانت إمارات النصر المباغت والمبين ترتسم على محيا الرجل، والتؤدة كانت تشي بالطمأنينة للمستقبل والثقة الأكيدة بالنصر...أما الثقال في ظهوره الأخير، فكان نتيجة للإعياء وتعبيراً عن انحسار الأمل والثقة، وشهادة على اتساع مساحة الهزيمة.
لقد أراد الرجل الذي شغل العالم وشاغله لخمس سنوات عجاف، أن يبعث برسالته الأولى لمريديه وأتباعه ومبايعييه، يشد عضدهم ويصلّب عودهم، مفادها أنه باقٍ على قيد الحياة، رغم عشرات الإعلانات عن موته أو إصاباته البليغة ... لقد أقنعنا الرجل بأنه ما زال «يأكل الطعام وإن تعذر عليه المشي في الأسواق» ... لكأنه أراد أيضاً أن يقطع حبل التكهنات والمحاولات لخلافته ووراثته، فهو ما زال في أتم صحته، بل أنه ازداد سمنة، ويجد ما يكفي من وقت لصبغ «لحيته البيضاء الكثّة».
 اتخذ من هيئة أسامة بن لادن في الجلوس، وما يحيط بها من «إكسسوارات»، اختار «الكلاشنكوف» من نفس الفصيلة التي أحبها ابن لادن على ما يبدو ... صورة ابن لادن جاءت بعد هزيمة القاعدة في الحرب على أفغانستان، وصورة البغدادي جاءت بعد هزيمة داعش أمام عشرات الجيوش والمنظمات والتنظيمات فيما أسمي بالحرب الكونية على الإرهاب ... الأول أراد أن يبعث بما يشي الاستمرار في «الجهاد» والثاني حذا حذوه، لكأنه أراد القول: إنه وحده، الخليفة الشرعي والممثل الوحيد لإرث ابن لادن والقاعدة و»الجهاد العالمي».
هنا، يمكن أن تكون «الشيفرة» الأولى التي أراد الظواهري لأنصاره تفكيكها في ظهوره الأول: عملية إرهابية نوعية من سوية وطراز الحادي عشر من سبتمبر /أيلول 2001، حتى وإن كانت دونها من حيث النتائج والتقنيات والتعقيدات ... هنا يتعين البحث والتحقق ما إن كان أمر العملية قد صدر، أم ان الرجل تحرك بدوافع من «نوستالجيا» لعهد «الجهاد» الذهبي، أو أنه يعوض بالمظاهر والرمزيات عمّا فقده في ميادين القتال والحروب.
الرسالة الثانية المفتوحة التي بعث بها الرجل للقاصي والداني، للعدو والصديق، تقول: إن «الجهاد العالمي» قد طوى صفحة «الدولة» و»الجغرافية» ليفتتح صفحة الاستنزاف وحرب العصابات والعمليات النوعية، ومثلما عرض نفسه كقائد للمسلمين في المرحلة السابقة، ودعاهم للهجرة إلى أرض الخلافة ودولتها لنيل شرف الجهاد والشهادة، فإنه يعرض لنفسه اليوم، وبالطريقة ذاتها، كقائد للمرحلة المقبلة من الجهاد، بأدواتها الجديدة ووسائلها المختلفة وساحاتها المتعددة.
أما «الشيفرة» الثانية، التي يتعين أيضاً تفكيكها وفهم دلالاتها، فهي حرصه على تقليب صفحات كراسة أمام الكاميرا، كتب عليها «ولاية تركيا»، فهل يعني ذلك أن تركيا ستكون وجهة الجهاد المقبلة، أو هي الساحة المقصودة بتنفيذ عمليات نوعية تطالها ... على تركيا أن تقلق من «الوحش» الذي اخرجته سياساتها الخرقاء من «قمقمه» ... لا أحسب أن في الأمر عبثا أو مصادفة، أحسب أنها «رسالة مشفّرة»، أو كلمة سرّ للشرع في تنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف تركية، أو التفكير بها والتخطيط لها، إن لم تكن جاهزة بعد للتنفيذ.
وسواء أكان يدري أم لم يكن، فإن البغدادي في ظهوره المصور الأخير، إنما كان يوجه رسالة لدونالد ترامب، مفادها أنه تعجّل في إعلان النصر على «داعش»، وأن معركة القضاء على الإرهاب لم تضع أوزارها بعد، وأن الذي تغير هو أشكال «الجهاد» ووسائله وربما ساحاته، بيد أنه «باق» ومستمر، حتى وإن كان لا «يتمدد» الآن، بفعل الظروف التي نعرفها جميعاً.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل البغدادي المفتوحة و«المشفّرة» رسائل البغدادي المفتوحة و«المشفّرة»



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 17:44 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 23:26 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

فوائد أوراق اللبلاب لمعالجة الالتهابات

GMT 09:47 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

الإعلامية منى عراقي تستعين بـ"حلّاق رجالي" لقص شعرها

GMT 09:12 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

أجمل الأماكن السياحية بمدينة "سيدي بو سعيد" في تونس

GMT 12:51 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نيمار يوجّه رسالتين إلى مواطنه رونالدو "الظاهرة"

GMT 06:48 2015 الإثنين ,25 أيار / مايو

نهاية المواطن السوبر!

GMT 19:02 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي "النصر" تبحث عن جهاز فني جديد بعد السقوط أمام "الأهلي"

GMT 05:29 2016 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

فاز بوتين وخسر الغرب

GMT 16:43 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

هنا الزاهد تظهر بإطلالة مارلين مونرو

GMT 12:50 2018 الخميس ,13 أيلول / سبتمبر

ميسور لك حبي واعتذاري
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia