إيران وكلف اللعب مع الكبار

إيران وكلف "اللعب مع الكبار"

إيران وكلف "اللعب مع الكبار"

 تونس اليوم -

إيران وكلف اللعب مع الكبار

بقلم :عريب الرنتاوي

عندما قدّم وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، عرضه لـ«صداقة» إيران، مشفوعاً بدزينة من الشروط المذّلة، صِيغَت بلغة «صك إذعان»، قلنا في هذه الزاوية، إن «صداقة» واشنطن أكثر كلفة على إيران من «عداوتها»... شروط بومبيو، لن تبقي من إيران، ونظامها السياسي، حجراً فوق آخر، سيما وأننا نعرف، مثلما يعرف كثيرون، أن شروط واشنطن من النوع «المتناسل» الذي لا يتوقف عن «التكاثر» حتى يرتدي «الوليّ الفقيه»، «الجينز» ويعتمر الرئيس روحاني قبعة «اليانكي» الأمريكي. 

إيران تواجه اليوم، تحدٍيا من نوع آخر، إذ سيتعين عليها اختبار كلفة «صداقة» موسكو كذلك، ووضعها في كفة مقابل كلفة فض «تحالف أستانا» وتكبد أعباء «عداوة» الكرملين، ومواجهة القيصر، بدءاً من الساحة السورية... هنا أيضاً، تبدو أن كلف الصداقة، أكثر فداحة، أو لا تقل في أدنى تقدير، عن كلف العداء والمواجهة.

في سوريا، انتهى «موسم» الترويج لمحور «المقاومة والممانعة»، المدعوم روسياً، والمحصن بمجموعة «بريكس» والمنسق في سياقات أستانا ومساراتها... لتطغى على المشهد، الأنباء والتقارير عن «خلافات» روسية – إيرانية في سوريا وعليها... وهي الأنباء التي لم يعد إنكارها أو نفيها أمراً ممكناً، بعد أن ظهر التباين إلى العلن، وعلى أرفع مستويات صنع القرار والسياسة في العواصم ذات الصلة.

روسيا، ذهبت بعيداً في تفاهماتها مع إسرائيل... زيارتا نتنياهو وليبرمان المتعاقبتان إلى موسكو وضعتا كثيرٍا من النقاط على حروف هذه التفاهمات، وأهمها على الإطلاق، تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، بدءاً من جنوبها... فيما الأنباء المتواترة من موسكو، لا تتوقف عن الحديث عن قرب إنجاز مهمة نشر الجيش السوري في المحافظات الجنوبية الثلاث، وعلى امتداد خط الحدود مع الأردن والجولان المحتل، ودائماً بعد الانتهاء من سحب القوات الإيرانية والمليشيات المحسوبة عليها من هذه المنطقة.

قبل ذلك، كانت «التفاهمات» إياها، قد أفضت إلى رفع الغطاء الجوي الروسي عن القوات الإيرانية و»الرديفة» المنتشرة في سوريا، الأمر الذي تركها مكشوفة أمام الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية المتكررة والمؤلمة، التي بددت «نظرية تغيير قواعد الاشتباك» التي راجت بعد إسقاط طائرة «الإف 15» الإسرائيلية وتوجيه رشقة صاروخية سورية – إيرانية إلى الجولان المحتل.

واليوم، وبعد قمة سوتشي الأخيرة، التي جمعت الأسد ببوتين، تتواتر الأنباء عن شروع النظام في تفكيك المليشيات المحسوبة عليه ابتداءً، والتي يتولى قيادتها ضباط وشخصيات، محسوبة على النظام وأجهزته الأمنية، وسط ارتياح شعبي عارم، بعد أن تحولت هذه المليشيات، إلى منظمات لفرض «الخاوات» والجباية»، متلفته من القانون وخارجة عليه... والمرجح أن هذه العملية ستستمر لتشمل ميليشيات وافدة من الخارج، سيما من العراق وأفغانستان، أما مقاتلو حزب الله، فالأنباء لا تنقطع عن انسحاباتهم إلى لبنان، وإعادة تموضعهم وانتشارهم في مناطق سورية محددة، ووفق تفاهمات وترتيبات، يقوم بها «الراعي الروسي الكبير».

على مضض، وكمن يتجرع كأس السم الزعاف، تعلن إيران أنها لا تحتفظ بأي وجود في جنوب سوريا، وتعلن دمشق، أن الوجود الإيراني «الشرعي» على أرضها، إنما يقتصر على خبراء ومستشارين لا أكثر، بل وذهبت طهران أبعد من ذلك، عندما نفت أن تكون قواتها قد تعرضت لهجمات إسرائيلية، أو أنها بادرت بشن هجمات على إسرائيل، بل وأن يكون ضحايا إيرانيون قد سقطوا بنتيجة الضربات الإسرائيلية، في لهجة انسحابية ظاهرة، تبرز عمق مأزق إيران مع «حليفها» الروسي، وتعكس كلفة هذه الصداقة على حياة الإيرانيين ودور بلادهم المكلف جداً في سوريا.

إيران لم تختر «عداوة» واشنطن، الأخيرة فرضتها عليها، وهي ليست قادرة على دفع فاتورة «صداقتها» في الوقت ذاته... بيد أن إيران هي من اختارت «صداقة» موسكو، إن جاز لنا أن نسمي ذلك «اختياراً» في ضوء ضيق مساحة الخيارات الإيرانية في مواجهة الهجمة الأمريكية – الإسرائيلية الضارية عليها.... لكن إيران تكتشف يوماً بعد يوم، وبالطريقة الصعبة، أن كلفة هذه «الصداقة» باهظة للغاية، وهي بصدد وضع مكتسباتها في سوريا، في ميزان الربح والخسارة، ولكن من منظور شمولي أكبر وأوسع... فالتفريط بها في هذه الوقت السيء لإيران، ليس خياراً، سيما في ضوء ما ينتظر طهران من مواجهات متعددة الساحات والأدوات مع الولايات المتحدة، لكن الاحتفاظ بها والإبقاء على عراها المتينة، يتطلب دفع ثمن مؤلم، في سوريا، ومن «حساب المكتسبات» المكلفة المتحققة في السنوات الثماني الأخيرة.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وكلف اللعب مع الكبار إيران وكلف اللعب مع الكبار



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia