في هجاء الرئيس الأميركي

في "هجاء" الرئيس الأميركي

في "هجاء" الرئيس الأميركي

 تونس اليوم -

في هجاء الرئيس الأميركي

بقلم : عريب الرنتاوي

بعض العرب، لا يطيق العيش بعيداً عن «الهراوة» الأمريكية على ما يبدو، لكأن الحنين يشدهم إلى عهدي بوش، الأب والابن، وحروبهما المفتوحة، تارة لتحرير الكويت وتدمير العراق، وأخرى لاحتلال أفغانستان وتدمير العراق مرة ثانية ... أما أن يأتيهم رئيس أمريكي، بشعار الانسحاب من الحروب، وتفادي خوضها من جديد، فهذا سبب كافٍ لكي توجه إليه أقذع الاتهامات، وغالباً على الطريقة العربية، وبأوصاف مستلهمة من «القاموس الذكوري / القبلي»، التي لا يفهمها أحدٌ من خارج السياق الثقافي العربي، من نوع: متردد، ضعيف، جبان، متخاذل، «بوّاق» إلى غير ما هنالك.

لا يذهب أحدٌ من هؤلاء إلى شرح «المزايا» التي ترتبت على حروب آل بوش في المنطقة ... ضربوا القاعدة في أفغانستان، فاستولدت «داعش» و»النصرة» في العراق والشام ... حرر الكويت من الاجتياح العراقي، فدمر العراق وألحق إعاقة مزمنة بأجيال من العراقيين الذين ذاقوا مرارات العقوبات والحصار ... اتهموا صدام حسين بإنتاج أسلحة كيماوية والاحتفاظ بروابط مع القاعدة، فكانت النتيجة، تدمير العراق، وإخراج «مارد الانقسام المذهبي من قمقمه»، وتسليم العراق لقمة صائغة لإيران.

ما الذي جناه العرب من حروب المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، طوال ربع القرن الأخير، غير الخراب والدمار وحروب المذاهب و»خطوط الدم»؟ ... ما الذي ترتب على تلك الحروب، غير بقاء بعض أنظمة الفساد والاستبداد في مقاعدها من دون تغيير أو تبديل؟ ... نفهم أن تبدي بعض هذه الأنظمة، قدراً من الاشتياق والحنين لتلك الأزمان، بيد أننا لا نستطيع أن نفهم، كيف يفعل بعض دعاة التغيير والإصلاح، من إسلاميين وغيرهم، أمراً مماثلاً.

لم يأت الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بفعل يمكن أن يحتفي به العرب، فقد ترك القضية الفلسطينية للترك والنسيان والاستيطان، بعد أن أثار جلبة كبرى في خطاب القاهرة الشهير .

.. ولم يستنكف عن ممارسة الفعل العسكري، كما فعل في ليبيا، دعماً لأوروبا والأطلسي، وهو أمرُ عاد وندم عليه، كما قال لجيفري جولدبرغ ... لكنه، ومن باب الإنصاف، تجنب أشد الضغوط لشن حرب على إيران، كان يمكن أن تشعل المنطقة برمتها .... وتفادى ضغوطاً أشد للتورط في سوريا، ولو فعل ما أراده له ومنه، بعض «العربان، لكانت سوريا اليوم مزقاً ونتفاً، ولكان الإقليم برمته، قيد «الفك والتركيب».

مشكلة أوباما مع بعض حلفائه العرب، الذين وصفهم ذات مرة بالكسولين، أنهم ظنوا أن أقوى جيش في العالم، يمكن أن يكون «بلاكووتر» ثانية، يجري استئجار خدماته «غب الطلب» ... الذين اعتادوا شراء كل شيء بالمال، من «الفيفا» إلى السياسات الخارجية والدفاعية لدول بأكملها، ظنوا أن هذه اللعبة صالحة لكل زمان ومكان ... لكن عندما جاءهم من يرفض عروضهم على سخائها، استلوا كل مفردات «التأنيث» و»التخنيث» ليصبغوها على الرجل وإدارته.

لم يكف هذه المنطقة ما فعله بها المحافظون الجدد من انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ... بعض العرب، يريد لتلك السياسات المغامرة والمدمرة، أن تستمر إلى الأبد، وأن تصبح «الهراوة الأمريكية الغليظة» هي لغة التخاطب الأمريكي مع كل من تعتقده هذه الأنظمة بأنه عدوها، أو ضد كل من ترغب في تصفية الحساب معه.

هذا الزمن ولّى مرة واحدة، وربما إلى الأبد ... والمسألة ليست رهناً بإدارة ديمقراطية، حتى يمكن أن تتغير مع إدارة جديدة، ولا برئيس أسود، حتى تتبدل مع رئيس أبيض ... ثمة تغيير في النسق والأولويات الاستراتيجية الأمريكية ... ثمة ابتعاد منهجي منظم عن الشرق الأوسط، وهجرة إلى الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا والباسيفيك ... ثمة مكانة متراجعة لهذه المنطقة ونفطها، لا تغري بشن حروب جديدة، ولا بتعهد حلفاء سابقين ورعايتهم ... وحتى بفرض خروج الديمقراطيين من الحكم أو مجيء هيلاري كلينتون، فإن نبرة الخطاب الأمريكي قد تتبدل، بيد أن جوهر السياسات والاستراتيجيات، سيبقى على حاله.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في هجاء الرئيس الأميركي في هجاء الرئيس الأميركي



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia