في الطريق إلى الحكومة البرلمانية

في الطريق إلى الحكومة البرلمانية

في الطريق إلى الحكومة البرلمانية

 تونس اليوم -

في الطريق إلى الحكومة البرلمانية

عريب الرنتاوي

تعديلان دستوريان من المقرر أن تقرَّهما الدورة الاستثنائية لمجلس الأمَّة التي ستبدأ أشغالها غداً الأحد ... الأول، يحيل إلى الملك، سلطة تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة... والثاني، ويتصل بتوسيع صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب، لتشمل جميع الانتخابات، لا النيابية منها على وجه التحديد.
نحن إذاً أمام خطوة تمهيديه لولوج مرحلة الحكومات البرلمانية، وهذه بدورها خطوة إضافية نحو شكل من أشكال الملكية الدستورية التي نتحدث عنها... لم نقرأ في التعديل الأول، سوى هذا المقصد، الذي نعتقد أنه سيفتح الباب لجدل داخلي، مع أنه لا يؤسس لآلية جديدة في اختيار قادة الجيش والأجهزة الأمنية، بقدر ما “يدستر” الآلية القائمة منذ سنوات وعقود، تعود إلى عصر تعريب الجيش.
من منظور أفضل الخبرات والتجارب الديمقراطية، يبدو التعديل الدستوري “منتقصاً” لمفهوم الولاية العامة للحكومات المنتخبة ... في تلك التجارب المتقدمة، لا دور سياسياً للجيش، والأجهزة الأمنية تقف على مسافة واحدة من الأحزاب المتنافسة على البرلمان والحكومة ، وثمة قواعد دستورية وأعراف أقوى الدساتير، توفر شبكة أمان للدولة والمجتمع، ثمة توزيع للسلطات ونظام “checks and balances”، يسمح بتفادي أسوأ السيناريوهات ... لكننا جزءٌ من منطقة لها سياق مختلف، كشفت سنوات “الربيع العربي” عن بعض معالمه وملامحه، منها أن ما يمكن أن يتهدد البلاد والعباد، والأوطان والمواطنين، هو انجراف الجيش والأمن في لُجّة السياسة وتجاذبات السياسيين ... منها أن الجيش أساساً، هو “حجر سنمّار” وحدة البلاد والعباد، بل وشرط وجودها في بعض التجارب.
لا بأس من ولوج تجربة الحكومات البرلمانية، شريطة إخراج الجيش والمخابرات من حلبة التنافس السياسي ... فنحن أبناء تجربة لم تكتمل، وما زالت في بدايات مشوارها ... ليست لدينا منظومة دستورية وتشريعية و”قواعد لعبة” وتقاليد ديمقراطية، تبعث على الاطمئنان، بأن من يحصل على “النصف زائد واحد” لن يقود انقلاباً على الدولة والمجتمع بحجة الأكثرية وغلبة صناديق الاقتراع ... نحن أمام مفهوم للديمقراطية لم يتخط في أحسن حالاته “رياضيات” الأرقام والنسب المئوية، من دون إيمان عميق وراسخ، بحقوق الأفراد والأقليات وبقية المواطنين المندرجين في خانة الـ “49 بالمائة”.
ولا بأس من إحياء وزارة الدفاع وتفعيلها، وإسناد مهمة رسم السياسات الدفاعية والأمنية العامة بالحكومة، تحت رقابة مجلس الأمة، وهو أمرٌ حدانا قبل عامين لاقتراح إنشاء “لجنة الأمن والدفاع” في مجلس النواب، عندما تقدمنا للمجلس بمقترح لتعديلات شاملة للنظام الداخلي للمجلس، وإعادة هيكلة لجانه الدائمة ... وأحسب أن الأمرين (تفعيل الوزارة وسحب صلاحيات تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات من الحكومة) لا يتعارضان، والأفضل في هذه المرحلة “الانتقالية”، التعايش مع صيغة انتقالية من هذا النوع، إلى أن تستقر قواعد اللعبة الديمقراطية في بلادنا، وتتضح ملامح الملكية الدستورية التي نتحدث عنها.
أما التعديل الثاني، فيذهب باتجاه تعزيز وتوسيع دور الهيئة المستقلة للانتخاب، وكل خطوة على هذا الطريق، هي خطوة في الاتجاه الصحيح ... لكننا ونحن نتحدث عن الهيئة، ندعو للتوسع في التعديل المقترح، ونطالب بجعلها هيئة مستقلة للانتخاب والأحزاب، على أن تصبح هي، وليس أية وزارة حكومية، الجهة المرجعية لتسجيل الأحزاب ومتابعة شؤونها.
ولقد طالب ما يقرب من ثلاثين حزباً في إعلان مبادئ مشترك بأن تكون الهيئة مرجعية أحزابهم، وثمة عشرات النواب، في المبادرة النيابية وغيرها، يؤيدون مطلباً كهذا ... ولقد كان يُظن أن ثمة عائق دستوري أمام اقتراح كهذا، لكن أما وقد فتحت هذه المادة من الدستور للتعديل، فلا بأس من إجراء كل ما يلزم من تعديلات، دفعة واحدة، وبهذه المناسبة، أدعو أحزابنا السياسية ونوابنا وحكومتنا إلى أخذ هذا الاقتراح بعين الاعتبار.
أما من حيث “الأسباب الموجبة” لهذا المقترح، فتتجلى أولاً بالحاجة لجهة مستقلة لتكون مرجعية الأحزاب، بدل الحكومة، وهذه رسالة إيجابية تشجع الأحزاب والعمل الحزبي ... ثانياً: أننا جميعاً نتحدث عن ديمقراطية حزبية، وعن انتخابات تكون الأحزاب عمادها وعامودها الفقري، وبرلمانات من كتل حزبية – برامجية .... وثالثاً: لأن عدد المقاعد والأصوات التي يتحصل عليها الحزب السياسي، سيكون أحد المعايير الأساسية المعتمدة لتمويله من خزينة الدولة، وهذه الأسباب جميعها، تجعل الهيئة هي الجهة الأنسب للقيام بدور المرجعية، من أي وزارة حكومية على الإطلاق.
لقد طالب بعض الأحزاب، بتشكيل هيئة مستقلة للأحزاب، ولكن بوجود هيئة مستقلة للانتخاب، وهذه الكثرة الكاثرة من الهيئات والمؤسسات المستقلة التي ترهق كاهل الموازنة والجهاز البيروقراطي، وبالنظر لتداخل مهام وصلاحيات هيئة الانتخاب القائمة وهيئة الأحزاب المقترحة، نرى توسيع “ولاية” هيئة الانتخاب لتشمل الأحزاب، وها هي الفرصة تتوافر من أجل إجراء التعديل اللازم والمحصن لصلاحيات الهيئة واستقلاليتها ومكانتها.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في الطريق إلى الحكومة البرلمانية في الطريق إلى الحكومة البرلمانية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia