حسني مبارك نعتذر منك ونؤوب إليك

حسني مبارك... نعتذر منك ونؤوب إليك

حسني مبارك... نعتذر منك ونؤوب إليك

 تونس اليوم -

حسني مبارك نعتذر منك ونؤوب إليك

عريب الرنتاوي

سيتعين على الشعب بعد جلسة النطق بالحكم في “قضية القرن”، أن يخرج بالملايين إلى الشوارع والميادين، وأن يعتصم، شيباً وشباناً، رجالاً ونساء، لثمانية عشرة يوماً على أقل تقدير، في ميدان التحرير ومختلف الميادين في مختلف المدن والبلدات والنجوع، طالباً الصفح من رئيسه “المخلوع”، عمّا ألحق به من إهانة وما تعرض له من افتراء ... فمن أصعب الأشياء على النفس والضمير، أن ترى بريئاً خلف القضبان، بعد أن تعرض إلى كل ما تعرض له الرئيس الرابع لمصر منذ ثورة 23 يوليو من ظلم ذوي القربى وجحود الأهل والعشيرة وعقوق الأبناء الضالين.

بثلاث جمل شديدة الإيجاز، طويت صفحة المحاكمة التي كان ينبغي أن تكون الأشهر في التاريخ: الحكم ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك في قضية بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل ... انقضاء الدعوى الجنائية على مبارك ونجليه وحسين سالم في قضية فيلات شرم الشيخ... عدم جواز نظر الدعوى في اتهام مبارك بقتل المتظاهرين ... لا يهم بعد ذلك، كم عدد صفحات الحكم، ولا عشرات ألوف الأوراق والوثائق الملحقة بها ... هنا قطعت جهيزة قول كل خطيب

براءاتٌ وصكوك غفران، توزع بالجملة والمفرق، المسألة لم تقتصر على شخص الرئيس ورمزيته، وزير داخليته بريء أيضاً، معاونو وزير داخليته أبرياء كذلك، أنجاله أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، حتى لصوص النفط وأراضي شرم الشيخ، طالتهم موجة البراءات التي ازدهر قبل انعقاد الجلسة المنتظرة، وبلغ ذروتها مع بدء أشغالها.

إن كان كل هؤلاء أبرياء من كل شيء، فمن هو المتهم الحقيقي الذي استفز ملايين المصريين وأخرجهم عن رتابة عيشهم المعتادة، واخرجهم بالملايين إلى الشوارع والميادين؟ ...إن كان جميع هؤلاء ومن سبقهم ممن استحق البراءة أو الأحكام المخففة، فمن نعني بنظام الركود والفساد والاستبداد الذي جثم فوق صدور المصريين لثلاثين عاماً متتالية، وأحال أرض الكنانة و”أم الدنيا” إلى جثة هامدة، تستدر الرأفة والشفقة من أشقائها وأصدقائها؟ ... إن كان جميع هؤلاء أبرياء فمن الذي خطط وأمر ونفذ عمليات القتل التي أطاحت بمئات الأبرياء في الساحات والميادين، ومن الذي صادر ثورة الشعب المصري وجوّعه وأذله، ومن الذي جرّف المجتمع المصري من نخبه الحديثة والعصرية وحوّلوها إلى “مهرجين” في مواسم “عبادة الفردة” على ضفتي النيل الخالد، في استعادة مقيتة لأعمق الطقوس الفرعونية وحضارات الأنهار البائدة؟

هل أخطأ الشعب المصري حين انتفض ضد “نظام الأبرياء”؟ ... وكيف يمكن لشعب بملايينه التسعين أن يجتمع على الخطأ و”سوء الفهم”؟ ... ما الذي يتعين فعله الآن، هل نعيد الاعتبار لمبارك ونجليه وحبيب العادلي، هل نذرف دموع الندم على الأيام التي قضوها خلف القضبان، هل ندعو لهم بالعاقبة الحسنة وحسن الختام، هل يمكن لهؤلاء، الشباب منهم بشكل خاص، أن يستأنفوا حياتهم السياسية، فيعود علاء مبارك للمنافسة على رئاسة الجمهورية والعادلي رئيساً لمجلس الشعب، وحسين سالم وزيراً للخزانة؟ ... ما الذي حصل، وكيف يمكن لنا أن نستوعب هذه المهزلة؟

من حق ثوار التحرير أن يستشيطوا غيظاً وغضباً، فما حصل بالأمس، هو الإعلان النهائي لثورتهم والحساب الختامي لتضحياتهم ونضالاتهم وبطولاتهم ... لقد عاد النظام القديم متسللاً، تارة بشخص أحمد شفيق وأخرى بحسم ثنائية العسكر والإخوان لمصلحة الطرف الأول، واليوم، تتوج العودة غير الميمونة للعهد القديم، بصك البراءة الذي منحه القضاء المصري للرئيس الأسبق.

هل قلنا القضاء المصري؟!

وماذا سيكتب التاريخ عن هذا القضاء، وأية فصول من تجربته ستُدَرّس في كليات الحقوق في الجامعات المصرية ... وعن أية استقلالية للقضاء يمكن نقرأ ... لقد كان واضحاً أن المحكمة تسير في هذا الاتجاه، والعارفون ببواطن الأمور، توقعوا البراءة لمبارك وزمرته، لا إرضاء لرمز العهد القديم والنظام غير البائد فحسب، بل وطمعاً كذلك في كسب رضى بعض حلفاء مصر، الذين هالهم رؤية صديقهم خلف القضبان، وفعلوا كل ما في وسعهم من أجل منع توقيفه ومحاكمته والإفراج عنه واستقباله في عواصمهم، وأخيراً النطق ببراءته من دون التباس.

قبل بضعة أسابيع، كنت وبعض الأصدقاء نتابع حواراً تلفزيونياً مع قذاف الدم، تحدث فيه عن تجربته مع القذافي وعن أيامه الأخيرة وواقع الحال في ليبيا اليوم، ولفرط ما أشاد الرجل بالعقيد ومناقبه، قال أحدنا: هل يأتي يوم يُعاد فيه الاعتبار لمجنون ليبيا وفقاً لوصف السادات للرجل، سخرنا من صديقنا وقلنا: إن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء.

“محاكمة القرن أظهرت زيف اعتقاداتنا، وبرهنت بالملموس أن عقارب الساعة في العالم العربي تعود دائماً إلى الوراء، ومن النادر أصلاً أن تتحرك للأمام، وقد لا ينقضي زمنُ طويل قبل أن نرى محكمة ليبية تبرئ القذافي وزمرته، وتدين منتقديه والذين ثاروا ضد نظام حكمه ... ألسنا في زمن العجائب والغرائب، أهلا بكم في العالم العربي؟!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسني مبارك نعتذر منك ونؤوب إليك حسني مبارك نعتذر منك ونؤوب إليك



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia