بوتين و«دبلوماسية الصدمات»

بوتين و«دبلوماسية الصدمات»

بوتين و«دبلوماسية الصدمات»

 تونس اليوم -

بوتين و«دبلوماسية الصدمات»

عريب الرنتاوي

يُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجدداً، رغبته الجارفة في اعتماد “دبلوماسية الصدمات”، التي يقف العالم مذهولاّ إزاءها، بعد أن تتحول خطواته السريعة وقراراته المفاجئة، إلى “أحجية” ينشغل الساسة والمحللون والمراقبون، لأيام وأسابيع، في تحليل كنهها وأسبابها والنتائج المترتبة عليها ... حدث ذلك في أوكرانيا، وتكرر في القرم، وها هو يحدث من جديد، ولمرتين متعاقبتين في سوريا، وفي غضون أقل من ستة أشهر، قرار الدخول في الحرب السورية، وقرار الانسحاب منها.

والحقيقة أنه لا يمكن فهم القرار الروسي المفاجئ بالأمس، من دون إدراجه في مسارين متلازمين، مسار التفاهمات والتوافقات التي تم إنجازها بين موسكو وواشنطن، ومسار الخلاف والتباين مع دمشق وحلفائها الإقليميين، حول مآلات الأزمة السورية وسبل حلها.

روسيا دخلت الحرب في سوريا وأنظارها متّجهة صوب “حل سياسي” للأزمة، يضمن لها مصالحها، والأهم، يوفر لها مخرجاً آمناً مما يمكن أن يؤول إلى “أفغانستان ثانية”، بهذا المعنى، يمكن القول، إن الحملة العسكرية الروسية قد حققت أهدافها جزئياً وحتى الآن... ونقول جزئياً ومؤقتاً؛ لأن الحرب على الإرهاب لم تضع أوزارها بعد، والتقدم الذي حققه الجيش السوري ميدانياً، قابل للتراجع والانتكاس، فيما العملية السياسية في جنيف، ما زالت محفوفة بأخطار الفشل واحتمالات الانهيار.

يكشف القرار الروسي المفاجئ، حقائق ربما لم نكن نعرفها عن المستوى الذي بلغه “التوافق” الروسي الأمريكي ... وأحسب أن موسكو ما كانت لتقدم على خطوة من هذا النوع، لو أن تأزماً جدياً يشوب علاقاتها مع واشنطن، وثمة ما يشير إلى أن التفاهم بين البلدين يتخطى أسس العملية السياسية ورزنامتها، إلى مسار التهدئة والمصالحات المحلية والحرب على الإرهاب ... كما يكشف القرار من جهة أخرى، حجم الفجوة بين دمشق وموسكو، والتي بدأت مع تفضيل النظام خيار الحسم العسكري، وقبوله بالتهدئة على مضض وتحت الضغط، وانتهاء بالتصريحات التي أدلى بها كل من وليد المعلم وبشار الجعفري، التي اعتبرت استفزازية في موسكو، بالنظر لما تضمنته من مواقف تضفي على “مقام الرئاسة” ثوباً من القداسة وتسيّجه بخطوط حمراء، وتتنكر للمرحلة الانتقالية برمتها.

لقد وصلت موسكو إلى استنتاج مفاده أن دمشق، تنظر لمسار فيينا – جنيف، ونتائج العملية السياسية برمتها، بوصفها “تعديلاً وزارياً” على حكومة الدكتور وائل الحلقي، لا أكثر، والأفضل أقل، وانتخابات برلمانية، تنتهي إلى وصول عددٍ من نواب المعارضة إلى قبة مجلس الشعب، وهذه النظرة بكل المعايير، تتضارب مع تعهدات موسكو والتزاماتها الدولية، بل ومع منظومة مصالحها في سوريا والإقليم وعلى الساحة الدولية الأوسع.

في سوريا قارف النظام خطأ فادحاً في نظرته لدور روسيا كدولة عظمى من منظور مصالحه الضيقة، وأهمها البقاء في السلطة، وظن لبعض الوقت، أن الجيش الروسي يمكن أن يُوَظَّف لخدمة هذا الغرض، وخدمته وحده فقط... وهي المفارقة ذاتها، التي تكشف عنها غضب بعض القادة من المحور الآخر، حيال الرئيس باراك أوباما وسياسته الشرق أوسطية، حين تصوروا أن الجيش الأمريكي يمكن أن يقوم بوظيفة “بلاك ووتر” لحماية أنظمتهم، وخوض حروبهم، دفاعاً عن مصالح أنظمتهم الضيقة وليس دفاعاً عن المصالح الأمريكية، كما كشف الرئيس أوباما في حديثه الشهير لمجلة “ذا أتلانتيك”.

خلاصة القول، لقد حرك القرار الروسي المفاجئ مياهاً راكدة في مسارات الحرب والسلام في سوريا، أعاد خلط الأوراق والمواقف والمواقع، وأضاء أكثر من ضوء أحمر للحلفاء ... لكن المؤكد أن هذا القرار، يضع النظام أمام استحقاق التجاوب على نحو أفضل مع مقتضيات مسار جنيف ومندرجاته، على أن تتكفل الولايات المتحدة بحلفائها وتسعى في تدوير الزوايا الحادة في مواقفهم، وأحسب أن واشنطن قد نجحت في فرض ضغوط كافية على السعودية وتركيا للكف عن فكرة إرسال قوات برية إلى سوريا، وأن تضغط على المعارضات السورية، لتوحيد مواقفها وتوسيع صفوفها بقبول الحركة الكردية، وتأكيد انفصالها عن “النصرة” بل وقتالها إن لزم الأمر، فضلاً عن الاستمرار في استراتيجية محاربة داعش واستئصاله من سوريا والعراق، ودائماً بالتنسيق مع الاتحاد الروسي.

يبقى أن نشير إلى حالة الارتباك التي أصابت حلفاء النظام الإقليميين، الذين أُخذوا على حين غرة من دون شك، وبعد أن أدركهم القرار الروسي المفاجئ، وهم في موقع متراجع في الأزمة السورية، سيما وأن التدخل العسكري الروسي نجح في تحجيم أدوار كثير من اللاعبين الإقليميين، من خصوم النظام وحلفائه على حد سواء ... كيف ستتصرف إيران، واستتباعاً حزب الله، سؤال برسم الأيام القليلة المقبلة. 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين و«دبلوماسية الصدمات» بوتين و«دبلوماسية الصدمات»



GMT 12:58 2021 الجمعة ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الانسحاب الأميركي والتدخلات الإيرانية والتركية

GMT 14:34 2021 الإثنين ,05 إبريل / نيسان

الخيار الذي رفضته ايران

GMT 16:04 2021 الأربعاء ,31 آذار/ مارس

الانتخابات السورية لن تكافئ بشّار

GMT 13:56 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

لا تكلِّف خاطرك

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia