السلطة بين خياري «الحل» و «التفكيك»

السلطة بين خياري «الحل» و «التفكيك»

السلطة بين خياري «الحل» و «التفكيك»

 تونس اليوم -

السلطة بين خياري «الحل» و «التفكيك»

عريب الرنتاوي

إسرائيل تهدد بـ “تفكيك” السلطة إن حالت دون استمرار احتلالها للضفة الغربية، والسلطة تلوّح بـ “حل السلطة وتسليم المفاتيح” إن هي أخفقت في تمرير مشروع قرار إنهاء الاحتلال في مجلس الأمن ... معنى ذلك، أن إسرائيل تريد السلطة كوسيلة لـ “لتجميل” الاحتلال وتقليل أكلافه، في حين انعقد الرهان الفلسطيني على “تحول السلطة إلى دولة” ... لا إسرائيل مستعدة لإنهاء الاحتلال ولا الفلسطينيين مستعدون للتخلي عن حلم الدولة وتقرير المصير.
إن لم تكن السلطة “نواة الدولة ومشروعها”، فلتذهب إلى الجحيم، فلس من بين الفلسطينيين من يرغب في أن يكون “ممسحة للاحتلال”، أو “منطقة عازلة” أو “جيبا حدوديا” يحول بينه وبين الشعب الرازح لما يقرب من نصف قرن تحت نير الاحتلال وسيف العدوان وأنياب الاستيطان الحادة ... يبدو أن “تفكيك السلطة أو حلها” هو القاسم المشترك الوحيد المتبقي بين الطرفين المتعاقدين الساميين في أوسلو وواشنطن.
حسناً، لم نكن من أنصار حل السلطة، ودعونا مراراً وتكراراً إلى إعادة النظر في وظائفها وموقعها في النظام السياسي والحركة الوطنية الفلسطينيين ... ولطالما قلنا إن “وقف التنسيق الأمني” سيفُقد السلطة “وظيفتها الإسرائيلية”، وإذا ما أقدمت السلطة على الوفاء بتعهداتها بوقف هذا التنسيق في حال فشل مسعاها في مجلس الأمن، فإن إسرائيل هي من سينقض على هذا السلطة ويعمل على تفكيكها، وإسرائيل وحدها ستتحمل مسؤولية هذا “الانهيار الكبير”، فلماذا يتحمله الفلسطينيون إن كان أعداؤهم على استعداد لتحمل مسؤوليته وأكلافه.
على أية حال، ليس قرار “حل السلطة” أو “تفكيكها” قراراً سهلاً على شرائح واسعة من الفلسطينيين، باتوا يعتاشون على السلطة، وتظهر الوقائع في غزة في ضوء ما بات يعرف بـ “أزمة الرواتب” كم هو قاسٍ ومؤلم، الإقدام على خيار من هذا النوع ... لكن الفلسطينيين في نهاية الأمر، سيجدون أنفسهم بين خيارين لا ثالث لهما: إما الاحتفاظ بالسلطة والركون لحالة التبعية والاستتباع التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني وعشرات ألوف العائلات الفلسطينية، مع كل ما يعنيه ذلك من تهاون أو حتى تبديد لقضيتهم وحقوقهم الوطنية، أو اللجوء إلى خيار المواجهة مع الاحتلال بكل مقتضياته، ومن بينها حل السلطة، وتحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الكارثية المترتبة عليها.
“وهم المفاوضات حياة”، الذي أقنع القيادة الفلسطينية، بإمكانية استرداد الحقوق الوطنية عبر موائد التفاوض مع إسرائيل وفي ظل “الوكالة الحصرية” للراعي الأمريكي، هو ما دفع بالسلطة إلى التصرف كدولة، والتوسع في الانفاق الجاري، وتكريس علاقة زبائنية مع مواطنيها، خصوصاً ألوف المتفرغين من كوادر وقادة الفصائل المختلفة، وهو ما دفع بالشعب الفلسطيني إلى مأزق الخيارات الصعبة والمريرة والمحدودة التي يعيشها اليوم.
كما أن “وهم بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال”، باعتبارها أقصر الطرق وأنجعها لإنهاء الاحتلال، طيلة سنوات حكومة الدكتور سلام فياض، هو ما أسهم في خلق اقتصاد استهلاكي وعزز ثقافة الاستهلاك على حساب ثقافة الانتاج، لشعب ما زالت يرزح تحت نير الاحتلال، وتنتظره سنوات عجاف من المواجهة القاسية ... لقد نجح الجنرال دايتون ومعه طوني بلير، في خلق جيل من “الانسان الفلسطيني الجديد” المثقل، بأعباء القروض المصرفية، الغارق في ثقافة الاستهلاك، والمبتعد عن خياراته الأساسية في مقارعة الاحتلال ومقاومته، واليوم يدفع الفلسطينيون أفدح الأثمان لتلك الرهانات والأوهام الخائبة.
وإذا كان الفلسطينيون قبل قيام السلطة، قد نجحوا في بناء “اقتصاد مقاوم”، مكنهم من الصمود على أرضهم وممارسة مختلف أشكال المقاومة، فإن وضعهم الحالي -خاصة في الضفة الغربية- يبدو مغايراً تماماً اليوم ... فلم نعد نرى أثراً للاقتصاد المحلي المرتبط بالزراعة والحرف والمشروعات الصغيرة والصناعات المحلية، بل جيلاً من أصحاب “الياقات المنشّاة”، الذين تبعدهم عن الحركة الوطنية الفلسطينية، فجوات الاهتمامات والأولويات والأجيال المتباعدة.
خلاصة القول، إن التطورات على الساحة الفلسطينية، قد تكون متجهة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل العام 1994 وقيام السلطة، إن لم يكن بقرار ذاتي من الفلسطينيين أنفسهم، فبقرار إسرائيلي مباشر، طالما أن وجود السلطة مشروط إسرائيليا بعدم قيامها بأية أدوار من شأنها وضع نهاية للاحتلال الذي بدأ في الرابع من حزيران من العام 1967، والأرجح أن سيناريو كهذا، سيضع القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي على عتبات مرحلة جديدة نوعياً، ومن يعشْ يرَ.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلطة بين خياري «الحل» و «التفكيك» السلطة بين خياري «الحل» و «التفكيك»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia