البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي

البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي

البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي

 تونس اليوم -

البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي

عريب الرنتاوي

استحضر الرجل كل ما في ذاكرته من قصص وصور عن مرحلة النبوة والخلافة الراشدة، وحاول في أولى إطلالاته الإعلامية كـ “خليفة للمسلمين” أن يجمع ما بين فتح مكة من جهة والخطاب الأشهر لأول الخلفاء الراشدين من جهة ثانية... أضفى قدراً هائلاً من “المهابة” على نفسه بارتدائه عباءة وعمامة سوداوين... صعد بتؤدة السلطان الغازي والملك العادل درجات المنبر ليدشن عصر الخلافة... خاطب الأمة، طالباً منها السمع والطاعة، ما أطاع الله واستمع إلى هدي نبيه، عرض “برنامج” عمله للمرحلة المقبلة، وهو بحكم طبيعته، لا يتخطى بضعة كلمات: تحكيم شرع الله!
لحظةٌ، أحسب أن الرجل ظنّها تاريخيةً بامتياز، ستدخل كتب التاريخ من سفره الرابع، بعد الخلافة الراشدة وخلافة الأمويين والعباسيين ... اختار الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك، شهر الفتوحات و”ليلة القدر”، واعتلى المنبر الذي شيّده نور الدين زنكي قبل ألف عام أو أقل قليلا، بعد أن نجح “حاكم حلب” في حينه، في توسيع إمارته صوب العراق والشام، الدولتان التي جعل منهما البغدادي اليوم، بداية الخلافة... ليُعلم أهل العراق والشام، ومن خلفهما جموع المسلمين في قارات العالم الخمس، بأن نجم الخلافة قد سطع، وإن “فجر الإسلام” قد عاد ليشرق على الأمة.
ما كان للبغدادي ولا لـ “داعش” أن تسيء لهذه اللحظة باستدعاء “شبيه” للرجل لاعتلاء المنبر ... ما كان لـ “الشبيه” أن يدعو الناس للسمع والطاعة، وأن يطلب إليهم البيعة، وأن يذكرهم بأن “من مات وفي عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية”، وأن يستذكر خطبة أبي بكر الصدّيق عند توليه الخلافة “إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ...”، ما كان للبغدادي أن يترك هذه اللحظة لنائبه أو أقرب أعوانه، دع عنك “الشبيه” و”الدوبلير” ... لهذا لم اشتر “الرواية الحكومية” العراقية عن الشريط “المفبرك”، وأحسب أن من رأيناه على المنبر، هو البغدادي بشحمه ولحمه.
لكن العراقيين، اشتهروا في تاريخهم الحديث بحكاية “الشبيه” و”الشبهاء”، فهناك من لا يزال منهم يعتقد أن الرئيس العراقي صدام حسين، هو من يقود المعارك في نينوى وتكريت والأنبار هذه الأيام، وأن من رأيناه معلقاً على عود المشنقة “ذات أضحى”، لم يكن إلا شبيها لصدام حسين، من بين شبهاء كثر، لطالما استخدمهم الرئيس الراحل للتمويه على حركته وحلّه وترحاله... يبدو أن الظل الطويلة للحجاج بن يوسف الثقفي، ما زالت تتطاول وتتجلى في شخوص حكام العراق الجدد، من صدام حسين وحتى أبي بكر البغدادي ... لا أحد من هؤلاء “حقيقي” أو “بشري”، هم لا يموتون، أشباههم فقط هم من يعدمون ويسجنون، أما هم فخالدون، وحاضرون فوق أكتافنا وبين ظهرانينا على الدوام.
والبغدادي كـ “داعش” التي يتزعمها، تحيط به أسرار وأساطير كثيرة ... بعضهم يعتقد أنه غير موجود أصلاً، وأنه شخصية وهمية أو متوهمة ... بعضهم قال إنه مات و”شبع موتاً”، وبعضهم يتحدث عن إصابات بليغة أُلحقت به تقعده عن مزاولة “جهاده” و”خلافته”... لكن الرجل ظهر صحيحاً معافى، ونطبق بالخطاب الذي نتوقعه منه تماماً، وأحاط حضوره بكل “الهالة” التي أرادها له.
و”داعش” ليست كائنات فضائية يصعب التعرف على كنهها ... بعضهم ردّ نشأتها إلى “محور المقاومة والممانعة” بوصفها صنيعة دمشق وطهران وحزب الله .... بعضهم الآخر، رأى أنها بضاعة صهيونية – أمريكية – عثمانية ... مع أن “داعش” ليست هذا ولا ذاك ولا تلك ... “داعش” هي الابنة الشرعية لتيار السلفية في تحولاته الجهادية المعروفة، منذ الجهاد الأفغاني ضد “الخطر الشيوعي” إلى “الجهاد المشرقي” ضد “الخطر الشيعي”... داعش التقت وافترقت مع كل هؤلاء، تحالفات وتقاتلت مع مختلف هذه العواصم بحكوماتها وأجهزتها، ولكنها ظلت محتفظة بمشروعها وهويتها، عصية على التحول إلى ألعوبة أو “بندقية للإيجار”، ولطالما انقلبت على حلفاء الأمس، بعد أن تكون قد استنفذت مبررات التحالف وضروراته ... وعندما نتحدث عن “داعش”  هنا، فإننا نقصد طيفاً واسعاً من “القاعدة” و”السلفية الجهادية”، ولا نقصد هذا التنظيم بعينه فقط.
ولأنها كذلك، فلا يجوز “التهويل” أو “التهوين” من شأن الجماعة وتأثيرها ... فالقول بأنها “عارض صحي” ينتهي بوقف التمويل وطرق الإمداد والتسهيلات اللوجستية، فيه تبسيط مخل... والمبالغة في “أسطرة” قوة التنظيم التي لا حدود ولا رادّ لها، ينطوي على قدر من التضليل والتطيّر ... وإذا كانت الحركة قد نجحت في اجتياح العراق في بضعة أيام، قبل أن تستوي لزعيمها الخلافة من على منبر المسجد الكبير في الموصل، فإن القضاء على الحركة واستئصال شأفتها، سيحتاج إلى بضعة سنوات على أقل تقدير، وللحديث بقية.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia