إسـرائيل وكارثة اللجوء «ازدواجية المعايير» مجدداً

إسـرائيل وكارثة اللجوء... «ازدواجية المعايير» مجدداً

إسـرائيل وكارثة اللجوء... «ازدواجية المعايير» مجدداً

 تونس اليوم -

إسـرائيل وكارثة اللجوء «ازدواجية المعايير» مجدداً

عريب الرنتاوي

باستثناء بعض الكتابات المتفرقة، لم يحظ الموقف الإسرائيلي من قضية “اللجوء وموجات اللاجئين” بالاهتمام الكافي ... المجر وكرواتيا وصربيا وسلوفينيا على بعد ألوف الكيلومترات، كانت في قلب دائرة الاهتمام السياسي والإعلامي والإنساني والحقوقي، إسرائيل على مبعدة أمتار من بؤرة الأزمة، ظلت خارج الصورة تماماً.
لم نتوقع أن تفتح “دولة جميع أبنائها اليهود” ذراعيها للاجئين السوريين، وهي التي تسببت في تهجير أكثر من خمسة ملايين فلسطيني عن مدنهم وقراهم وبلداتهم، فضلاً عن أكثر من نصف مليون سوري كذلك، جرى تشريدهم من مرتفعات الجولان السورية المحتلة... ولم ننتظر من الكيان الذي نشأ على نظرية “المجزرة طريق التهجير والتطهير العرقي”، انفاذاً لنظرية أخرى أكثر عنصرية وتضليلاً: “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، أن يتفوق على نفسه، وأن يعمل بغير “النهج” الاقتلاعي / الاستئصالي الذي تأسس عليه.

لكنها فرصة لدحض وتفنيد الادعاءات الزائفة التي عملت إسرائيل وأصدقائها في الغرب على ترويجها، حتى تحوّلت الأكذوبة إلى “مسلمة”، تندرج على ألسنة الكثير من ساسة إسرائيل والغرب عموماً ... تلك الأكذوبة التي طالما تحدثت عن “القيم المشتركة” بين إسرائيل والغرب، وعن واحة الديمقراطية في صحراء الشرق الأوسط القاحلة ... إسرائيل تتكشف عن مرة أخرى، عن منظومة عنصرية مغلقة، طاردة للآخر أياً كان هذا الآخر، وحتى في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة والتعقيد.
وبعيداً عن الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته من هجرة ولجوء، فقد سبق لتل أبيب أن خضعت لامتحان مماثل لما تختبره أوروبا هذه الأيام، مع أن الامتحان الإسرائيلي مع اللاجئين الأفارقة الذين عبروا الصحاري والبوادي للوصول إلى “أرض اللبن والعسل”، لا يقارن من حيث حجمه بالامتحان الأوروبي ... أوربا نجحت في الامتحان وإسرائيل فشلت فشلاً ذريعاً.

أوروبا، بالذات غربها وشمالها، أخضعت مسألة الهجرة واللجوء لمعاييرها ومنظوماتها القيمية والأخلاقية، من دون إغفال “المصالح” كذلك، ففتحت ذراعيها للاجئين الذين أشعلوا جدلاً لم يتوقف ولم ينقطع حتى الآن، وسيستمر لسنوات قادمة ... هنا تظهر المجتمعات حيويتها، وتتكشف عن مخزون ثقافي إنساني ... في المقابل، لم تفعل إسرائيل في مواجهة أعداد متواضعة من اللاجئين الأفارقة الذين تمكنوا من الوصول إلى حدودها، سوى بناء الأسواء والأسلاك الشائكة والألغام المزروعة على الطرق ... لم تتورع إسرائيل عن ممارسة كل ضغط ممكن على نظام المعزول حسني مبارك، لتحويل الجيش المصري إلى حرس حدود، يطلق النار على كل من تسول له نفسه الاقتراب من الأسيجة الحدودية الإسرائيلية، فمات من مات منهم على “الشيك”، وتعرض من نجا لكل صنوف العذاب والتعذيب.

ولم يتوقف الجهد الإسرائيلي العنصري عند هذا الحد، فهي أخضعت الناجين من اللاجئين، للاعتقال الجماعي في معسكرات القادمين الجدد .... وهي بذلت (كدأبها دوماً) كل جهد ممكن لتجنيد أعداد منهم لأجهزة أمنها ومخابراتها، في مسعى لتحويلهم إلى “وحدات متقدمة” لنفوذها في شرق أفريقيا ... وهي لم تدخر وسيلة لإعادتهم إلى بلادهم، مستفيدة من علاقاتها الفاسدة مع أنظمة حكم فاسدة في دولهم الأصلية، والهدف من كل هذه الاستراتيجيات، حفظ “يهودية الدولة ونقائها”، انسجاماً مع النظرية العنصرية لشعب الله المختار... أما المجتمع الإسرائيلي، فلم يساوره أي قدر من الإحساس بـ “الذنب” أو المسؤولية أو “صحوة الضمير الإنساني”، هنا تظهر مرة أخرى، هوية هذا المجتمع وتكوينه، ويتبين حجم التحولات التي أصابته في السنوات العشرين الفائت نحو اليمين القومي الاستئصالي، والأرثوذكسية الدينية الأصولية المتطرفة.
دولة (ومجتمع) بهذه “الفلسفة” و”الإيديولوجيا”، لم يكن متوقعاً منها أن تفعل شيئاً آخر، غير إدارة الظهر للكارثة الإنسانية التي تمر بها المنطقة، والتي لا يمكن تبرئة إسرائيل وأدواتها الاستخبارية من قسطها من المسؤولية عن التسبب بها ... لكننا هنا نتوقف أمام أمرين اثنين:

الأول، أن إسرائيل مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تشريد أكثر من نصف مليون سوري من أبناء الجولان السوري المحتل، كان بمقدورها على الأقل، توجيه رسالة بهذا الخصوص، إلى هذه الفئة من النازحين واللاجئين ... هي لم تفعل ذلك، فالجولان ما زال موضع الأطماع العنصرية والتوسعية، على الرغم من “وديعة رابين” وقرارات الشرعية الدولية.

والثاني، أن إسرائيل مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تشريد أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني، يتواجدون على الأرض السورية منذ أكثر من ستين عاماً ... السلطة الفلسطينية طالبت المجتمع الدولي بممارسة ضغط على تل أبيب للسماح لهم، لا بالعودة إلى مدنهم وقراهم الأصلية، التي هُجّروا منها، بل إلى مناطق السلطة ذاتها ... إسرائيل أعطت أذناً من طين وأخرى من عجين لطلب السلطة، وامعنت في إدارة الظهر لهذه الكارثة، بل وكانت تترقب على أحر من الجمر، انتقال هؤلاء إلى المنافي البعيدة حتى يسقط بالتقادم والاندماج في مجتمعات بعيدة، حقهم في العودة والتعويض.

دولة “القلعة والغيتو” والأسوار والأسلاك الشائكة، ما كان منتظراً منها أن تقدم على خطوة من طبيعة إنسانية في لحظة إنسانية بامتياز .... دولة كهذه كان متوقعاً منها أن تعمل على تعميق الأزمة ومفاقمتها، للخلاص من عبء الديموغرافيا الفلسطينية أساساً، حفظاً على “نقاء” الطابع اليهودي لدولة الاحتلال والاستيطان والتوسع والعنصرية
لكن المؤسف أن المجتمع الدولي الذي صب جام غضبه (مُحقاً) على المجر، لم يول السياسات العنصرية غير الإنسانية لإسرائيل الاهتمام أو النقد الكافي، وهنا أيضاً، وللمرة الألف، تتجسد مقولة “ازدواجية المعايير” عندما يتصل الأمر بالدولة “الأولى بالرعاية”.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسـرائيل وكارثة اللجوء «ازدواجية المعايير» مجدداً إسـرائيل وكارثة اللجوء «ازدواجية المعايير» مجدداً



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia