أكراد سوريا والحليفتان الأطلسيتان

أكراد سوريا والحليفتان الأطلسيتان

أكراد سوريا والحليفتان الأطلسيتان

 تونس اليوم -

أكراد سوريا والحليفتان الأطلسيتان

عريب الرنتاوي

لم يأت الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير في البنتاغون بجديدٍ لا نعرفه ... جدد تعهده بمواصلة الحرب على الإرهاب ... “بشرنا” بأنها مهمة طويلة المدى، وليست نزهة قصيرة ... قال إن هزيمة داعش غير ممكنة باللجوء إلى الخيار العسكري وحده، وأنها تحتاج إلى مقاربة أوسع وأشمل ... ذكّرنا بمسؤولية القوى المحلية، دول وحركات، عن التصدي للإرهاب والعمل لاستئصال شأفته ... شدد على التحالف الوثيق، والدعم الأكيد للأكراد في كل من سوريا والعراق... ثم عاد للحديث عن برامج تسليح وتدريب ما اسماه بـ “المعارضة المعتدلة” في سوريا، إلى جانب القوى الأمنية والعسكرية العراقية.
من بين جميع هذه العناوين المكونة لملامح الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب، وهي الاستراتيجية التي اعترف الرئيس في تصريحات سابقة، بأنها غير متوفرة لدى إدارته ... يبدو أن أكثرها أهمية وفاعلية، هو ما قاله الرئيس عن دعم الأكراد ... وأحسب أنه بقوله هذا، لا يؤسس لعمل جديد، وإنما يذّكر بما قامت به الإدارة، وتقوم به حتى الآن، من تسليح وتدريب وإسناد جوي وتسهيلات لوجستية تقدم للأكراد في كلا البلدين.
نذكّر بأن الضربات الجوية الأمريكية، بدأت قبل تشكيل التحالف والإعلان عن بدء عملياته ... كان ذلك عندما شارف مقاتلو داعش على الوصول إلى قلب إقليم كردستان، وباتت طلائعهم المتقدمة، على مسافة أقل من 30 كيلومتراً من عاصمة الإقليم ... يومها شنت الطائرات الأمريكية سلسلة مكثفة من الهجمات، حالت دون استمرار تقدم التنظيم، وإجباره على الانكفاء عن المناطق التي سيطر عليها وأخضعها لسلطته، مع أنه كان احتل ثاني كبريات المدن العراقية: الموصول، من دون أن تحرك واشنطن ساكناً.
ونذكّر أيضاً، بأن الولايات المتحدة، شنت من الضربات الجوية ضد تهديدات داعش للمناطق الكردية في العراق وسوريا، أضعاف ما شنته من ضربات في بقية أرجاء البلدين، مع أن التنظيم تقدم بعد الموصول إلى الرمادي، وتوجه من شمال شرق سوريا إلى جنوبها، وصولاً إلى احتلال تدمر، ودائماً من دون إسناد جوي كثيف للقوى المحاربة لداعش، قمنا بتقطيع الطرق والسبل أمام التنظيم للتقدم على جبهات ومساحات جديدة.
وفي عين العرب –كوباني، لا يختلف اثنان على الأهمية الفائقة للطلعات الجوية الأمريكية ضد أهداف لداعش في المدينة ومن حولها، إذ لولا هذا الإسناد الجوي الكثيف، لما أمكن لوحدات الحماية الشعبية من استعادة المدينة ... يومها، دخلت واشنطن في لعبة عض أصابع مع أنقرة، من أجل تسهيل انتقال مسلحين من “البيشمركة” من شمال العراق إلى شمال سوريا، مروراً بالأراضي التركية ... وإلى اليوم، يبدو الموقف من الأكراد السوريين، إحدى أبرز قضايا الخلاف بين الحليفتين الأطلسيتين: الولايات المتحدة وتركيا.
واشنطن تنظر إلى الأكراد بوصفهم مشروع حليف موثوق في الحرب على الإرهاب ... فالكرد بخلاف العرب الشيعة، لا يمكن اتهامهم بالعمل لخدمة الأجندة الإيرانية، وهم على خلاف مع تركيا ليس بخافٍ على أحد، ولا يمكن احتسابهم على أنقرة ... وهم بخلاف العرب السنّة، لم يسجلّوا “هجرات جماعية” إلى “دار الإسلام والخلافة”، ومن منهم التحق بالخليفة وداعش، ظل في الحدود الفردية المتواضعة ... وهم فوق هذا وذاك، مقاتلون أشداء، لديهم “قضية” يدافعون عنها ببسالة، وليسوا من صنف “المعارضين المعتدلين” التي تتقرر ولاءات كثيرين منهم، وفقاً لمعدلات الزيادة الشهرية على الرواتب المدفوعة لهم من قبل أطراف متنافسة.
في سوريا، ثمة سعي كردي لخلق كيان متواصل جغرافياً على امتداد خط الحدود مع تركيا، أو على مقطع طويل منه على الأقل ... هذا أمر يثير حفيظة تركيا إلى حد “فقدان الأعصاب”، لكنه في المقابل، يلقى قبولاً، بل ودعماً أمريكياً ظاهراً، ومن يتتبع “جغرافيا” العمليات الحربية التي يشنها التحالف الدولي في شمال سوريا، يرى أنها مصممة أساساً لتدعيم هذا الشريط، وتسريع إنشائه ... ولهذا رأينا سيل الاتهامات التركية الانفعالية لواشنطن، لا ينقطع، خصوصاً تلك المنسوبة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
المفارقة، أن النظام في دمشق، لا يبدو مكترثاُ بتداعيات قيام كيان كردي في الشمال ... الناطقون باسمه من محللين وخبراء، يذهبون أحياناً إلى حد إقامة “تماثل” بين وحدات الحماية الشعبية الكردية من جهة والقوات النظامية والمليشيات المتحالفة معها من جهة ثانية ... بل أن أحدهم، بدأ يطالب ببناء “شريط عازل” مع تركيا، يتولاه الأكراد السوريون، بوصفه طريقاً خلاصياً من “المؤامرة التركية –الداعشية” ضد بلادهم.
بالطبع، لا يجوز لعاقل أن يتجاهل “القلق” السوري المضمر من مغبة قيام كيان انفصالي في الشمال، بل وحتى من قيام الأكراد بممارسة نوع من الإدارة الذاتية في مناطقهم، ولقد رأينا تراشقاً بالاتهامات بين الجانبين، أعقبته، مواجهات عسكرية على بعض الجبهات، في الأشهر الفائتة ... لكن “فقه الأولويات” عند النظام، يملي عليه “تجرّع” الخطر الأقل أهمية (الأكراد)، لمواجهة الخطر الأكثر تفاقماً، وهو في هذه الحالة: تركيا.
الولايات المتحدة، في المقابل، لم تبد ارتياحها للدور الذي لعبته حدود تركيا المفتوحة لداعش، وهي وجهت انتقادات ومارست ضغوط على أنقرة، لضبط حدودها، بيد أنها لم تمض على هذا الطريق حتى نهايته، وأيقنت أن قدرتها على إحداث تغيير جوهري في المقاربة التركية للأزمة السورية، تبدو محدودةً للغاية ... اليوم، تتوفر لواشنطن الفرصة لتشكيل “شريط عازل” بين تركيا وسوريا، بولاية كردية موثوقة، بعد أن رفضت مراراً وتكراراً أفكاراَ وعروضاً تركية لخلق شريطٍ عازل وفرض منطقة حظر طيران.
هل ستصبر أنقرة على “المنطقة العازلة” الكردية المحصنة بطيران التحالف الدولي وتصمت عليها برغم كل الأخطار والتداعيات المترتبة عليها من منظور الحسابات التركية الداخلية، أم أنها سترسل بقواتها، لتكسير عظام هذا الكيان قبل أن يستقيم على عوده، وتفرض منطقتها “الآمنة” بقوة الدبابات و”الجندرما”، متحملةً كل المخاطر والمجازفات المترتبة على مغامرة من هذا النوع؟ ... سؤال يتصدر جدول الأعمال التركي هذه الأيام.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكراد سوريا والحليفتان الأطلسيتان أكراد سوريا والحليفتان الأطلسيتان



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia