معتز بالله عبد الفتاح
بإذنك يا رب، وقّعت مصر مع إثيوبيا والسودان اتفاقاً إطارياً مهماً بشأن سد النهضة الإثيوبى.
هناك جهود كبيرة بذلها الخبراء والوزراء فى الدول الثلاث. والمنتج النهائى جيد، لأن الاتفاق يتضمن 10 بنود أساسية، تحفظ فى مجملها الحقوق والمصالح المائية المصرية، وتتسق مع القواعد العامة فى مبادئ القانون الدولى الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، وتناول الاتفاق تلك المبادئ من منظور علاقتها بسد النهضة، وتأثيراته المحتمَلة على دولتى المصب، وليس من منظور تنظيم استخدامات مياه النيل، التى تتناولها اتفاقيات دولية أخرى قائمة لم يتم المساس بها، حيث لم يتعرّض الاتفاق من قريب أو بعيد إلى تلك الاتفاقيات أو استخدامات مياه نهر النيل، ويقتصر فقط على قواعد ملء وتشغيل السد.
وتشمل تلك البنود، مبدأ التعاون والتنمية والتكامل الاقتصادى، والتعهد بعدم إحداث ضرر ذى شأن لأى دولة، والاستخدام المنصف والعادل للمياه، والتعاون فى عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوى، ومبدأ بناء الثقة، ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات، ومبدأ أمان السد، ومبدأ احترام السيادة ووحدة أراضى الدولة، وأخيراً مبدأ الحل السلمى للنزاعات.
ويؤسس الاتفاق ولأول مرة، لمرحلة جديدة من التعاون والتنسيق فيما يتعلق بتشغيل السدود فى الدول الثلاث، وهى خطوة فى غاية الأهمية فى ظل الخطط المستقبلية لإقامة السدود فى كل من إثيوبيا والسودان، كما يتضمّن الاتفاق للمرة الأولى، آلية لتسوية النزاعات بين مصر وإثيوبيا، من ضمنها التشاور والتفاوض والوساطة والتوفيق، وكلها أدوات نصّ عليها القانون الدولى، لتسوية أىّ خلافات قد تطرأ حول تفسير أو تطبيق بعض نصوص الاتفاق.
لكن ما يستحق التحليل هو الظهور المصرى بهذه الطريقة اللافتة فى الخرطوم وفى أفريقيا بصفة عام.
الرئيس السيسى يتبنى «دبلوماسية بناء الثقة» (Trust-building diplomacy) ليس فقط مع إثيوبيا، ولكن بصفة عامة. وهذه الدبلوماسية تتضمن ثلاثة أبعاد:
أولاً، بناء الثقة الشخصية مع قيادات الدول الأخرى بتجنّب التورط فى ألفاظ حادة أو إشارات سلبية تُذهب غيظ الجماهير، لكنها تجعلها تدفع ثمناً غالياً على المدى الأطول. بل على العكس، يتجه من يتبنّى هذه الاستراتيجية إلى أن يعطى إشارات لفظية واضحة، بالرغبة فى التعاون والحرص على العلاقات التعاونية، ورفض حتى مجرد الحديث عن الصراع أو التهديد بالتصعيد.
ثانياً، تبنى استراتيجية «Track-two diplomacy»، أى الحرص على مناقشة مواطن الصراع والنزاع فى غرف مغلقة، بعيداً عن التصعيد الدبلوماسى أو الإعلامى والتعويل على الخبراء، وأحياناً تكون هذه النقاشات من قبَل غير رسميين لرفع الحرج الدبلوماسى والتفكير خارج الصندوق التقليدى والبُعد عن الذاكرة السلبية التى عادة ما يحملها الرسميون بسبب تاريخ الصراع.
ثالثاً، تبنى المدخل الوظيفى (functional approach) بتحويل قضايا الصراع إلى مساحات تعاون، بدلاً من أن تكون معركة صفرية يكون مكسب أحد الأطراف فيها خسارة للآخر، يجتهد الخبراء والمتخصصون فى البحث عن طريقة يمكن من خلالها أن تتحول إلى مباراة إيجابية تتوزّع فيها العوائد على الأطراف بتوازن وتناسب معقول.
على الرئيس السيسى وفريق عمله أن يستمروا فى سياستهم تلك تجاه أفريقيا، بل وتجاه الدول المختلفة، وأن تحدث اختراقات بتقديم رؤى متكاملة لعلاج مشاكلنا مع الدول الأخرى، بل وعلاج مشاكل الدول التى لنا معها مصالح مباشرة.
شكراً لفريق عمل الرئيس وفريق عمل الدولة المصرية الذين أحسنوا فى هذا المقام.
تحيا مصر، تحيا الجمهورية.