مات فيا صاحب «براء» مات

مات فيا صاحب: «براء» مات

مات فيا صاحب: «براء» مات

 تونس اليوم -

مات فيا صاحب «براء» مات

معتز بالله عبد الفتاح

نادراً ما تدمع عينى لفراق عزيز علىّ، ليس لأن الفراق ليس موضع اعتبار عندى، ولكن لأن الموت عندى هو تحرر الروح من الجسد، ولكن منذ أن عرفت بوفاة براء أشرف، وعينى تبكى. والحقيقة أن الأسبوعين الماضيين شهدا وفاة ثلاثة أشخاص أعرفهم جيداً ممن هم فى مثل عمرى أو أقل. وتبدو أسباب الوفاة، وكأنها مثل الوفاة نفسها: سر.

يمسى أحدنا معافى، ويستيقظ مريضاً، ولا يكاد يكمل يومه لأنه ينهيه ميتاً.

فجر أمس مات براء أشرف، لا أقول مات لى صاحب، ولكن مات داخلى صاحب.

أعتقد أننا اختلفنا فى أكثر من تسعين بالمائة من آرائنا السياسة، ولكن ظل الود والحرص والاحترام والابتسامة والقهقهة الصافية من القلب قائمة.

كنا ثلاثة عادة ما نلتقى على قهوة «فيومى»: زياد وبراء، وأنا. كنا نختلف ونتفق، لكن كان دائماً الإنسان فوق السياسة.. الإنسان فوق الخلاف.. براء إنسان حقيقى، له من اسمه الكثير.

لا أعرف ما الذى حدث لى. أصبحت قدرتى على مراوغة الحياة أقل. وصدمتى فى الناس أكبر. ودموع عينى تخذلنى كثيراً على غير عادتها معى. أخشى على فقدان أمى. وأبعد عن أناس أحبهم حتى لا أحملهم همى. أكبت سرى فى صدرى حتى لا أزعج به صاحبى وأهلى.

قد توفى أبى وأنا صغير. ولا أتذكر أننى بكيت آنذاك، فقد تقبّلت وفاته بصدر رحب للغاية، وكان بكاء أمى وأخى وأختى وأقاربى يبعث فى نفسى الكثير من الاستغراب. لقد عشنا جميعاً فصولاً مؤلمة لرجل ينهش المرض الخبيث فى جسده، يعانى ونعانى معه، وها هو ارتاح! لم أستسلم إلى الحزن، وكان علىّ أن أُقنع نفسى بأن ما حدث من مرض ثم وفاة خير، ليس فقط بمنطق ألبير كامو «إنك إن أصابك الموت هذا الصيف، فلن يزورك الصيف المقبل»، وإنما بأنه خير له عوائد كثيرة. فاخترعت قصة كحيلة من حيل المغلوب على أمره لمواجهة الواقع المؤلم، وكبرت القصة معى حتى صدّقتها، وأصبحت أكررها على نفسى من آن إلى آخر. إنها ببساطة قصة التحرُّر، تحرر الروح من الجسد. الروح تريد أن تنطلق إلى آفاق أرحب وأوسع بعد أن تتخلص من الجسد وما يمثله من محدودية وشهوانية. وكى تتحرر، فالروح تستعين بخالقها كى يدمر هذا الجسد المسجونة فيه، ويستجيب الخالق سبحانه فى توقيت يراه هو، كى تتحرر الروح بعد أن يكون الجسد قد أدى دوره فى التدافع على الأرض. ولمحدودية أفقنا نعتقد أن هذا التحرر مصيبة، وهو وصف استخدمه القرآن الكريم كإقرار لمشاعر البشر التلقائية «مصيبة الموت». ولكن أعتقد أن هذا المعنى الدنيوى للموت كمصيبة، هو جزء من خوف الإنسان مما يجهل.

سألتنى ابنتى عن عمرى حين مات والدى، فقلت لها 12 سنة، وقد كان ذلك عمرها آنذاك، فبكت وبكى ابنى (الذى هو أصغر منها). فقال لى وكأنه يستعطفنى: «اوعدنى أن تعيش أطول فترة ممكنة». فوعدته حتى يتوقف عن البكاء، ولكننى بدأت أعلّمه خيرية الموت كنوع من «تحرُّر» الروح من الجسد. ولكنه لم يقتنع، على الأقل مؤقتاً. هى إرادة الله قبل كل شىء.

أتخيل «براء» فى نعشه أو قبره مبتسماً ساخراً كعادته ينظر لنا فى شغفه المعتاد وفى طيبة قلبه الراقية، وكأنه يقول: «أنا خلاص ماشى، شدوا حيلكم بقى، ومستنيكم لما تخلصوا. أنا هناك. ما تتأخروش».

قهوة «فيومى» لن تظل كما كانت، بل حياة كثيرين لن تظل كما كانت.

الدنيا فى الأثر النبوى لها تشبيهان: «الدنيا سوق قام ثم انفض، فربح من ربح، وخسر من خسر». وبالتالى، سعد من سعد وشقى من شقى.

كما نُسب إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «يا أبا ذر أحكم السفينة، فإن البحر عميق، واستكثر الزاد فإن السفر طويل، وخفف ظهرك فإن العقبة كؤود، وأخلص العمل فإن الناقد بصير».

الله يرحمك يا صاحبى، وربنا يصبر أهلك. واستنانا مش هنغيب عليك.. لفة كده وهنكون عندك.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مات فيا صاحب «براء» مات مات فيا صاحب «براء» مات



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia