فى المعضلة الإعلامية

فى المعضلة الإعلامية

فى المعضلة الإعلامية

 تونس اليوم -

فى المعضلة الإعلامية

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

كتب الدكتور نصر عارف مقالاً يناقش فيه مأزق الوطن مع الإعلام، أعتقد أنه يصب فى جوهر المعضلة الوطنية المصرية بقدر ما يناقش جوهر المعضلة الإعلامية فى مصر. يقول الرجل:

فى 11 أغسطس 2014 نشرت مقالاً فى صحيفة «الوفد» عنوانه «إدمان النقد وإتقان النقض»، تناولت فيه جانباً من مخاطر الإعلام المنفلت من عقال الوطنية والقيم والأخلاق فى فضاء مصر، ذلك الإعلام الذى تقوده «شلة» لا يمكن اعتبارها منتجة للعلم ولا للفكر ولا للثقافة، وإن كانت تظن فى نفسها كذلك، بل إنها مجموعة يندرج عملها فى إطار تسويق الأفكار، ونقل الأخبار، وترويج الطرائف، والغرائب دون التحقُّق منها، أو تدقيقها وتمحيصها، بل إن ما يجذبها هو غرائب الأخبار، وإن كانت كاذبة، وعجائب الأحداث، وإن كانت زائفة، هؤلاء هم نجوم الفضائيات من مقدمى البرامج الحوارية، والعروض الكلامية «Talk Shows»، الذين أصبحوا بدرجة كبيرة، يتحكمون فى صُنع وتشكيل الرأى العام فى مصر، لأن الواحد منهم يملك ساعات مفتوحة من الحديث المتصل فى موضوع معين، يُجند له من يشاء ممن يتفقون معه، من جنس الخبراء والمحللين والاستراتيجيين، الذين يمنحون أنفسهم ألقاباً، ووظائف تتسق وتتناغم مع موضوع الحلقة، ويغيرون الألقاب لتتسق مع حلقة أخرى فى برنامج آخر، قد يُذاع فى الوقت نفسه، هذه الفئة من الإعلاميين تتعامل مع المعرفة، والثقافة، والمعلومة من منظور التسويق، والترويج، والدعاية، وتقدم من الموضوعات بالقدر الذى يفتح الطريق أمام الإعلانات، لأن البرنامج ومقدمه تتوقف حياتهما على هذه الإعلانات، لذلك كان الهدف هو الإعلان، وليس الفكر والثقافة، أو التوعية، أو الوطن وأمنه ومصلحته، أو المجتمع، أو التنمية، فهذه البرامج هى فى الحقيقة إعلانات تقطعها كلمات للإثارة، وجذب الانتباه من مقدم أو مقدمة البرنامج.

وبدراسة تكوين هؤلاء نجد أن معظمهم قد جاء من خلفيات صحفية، حصل على مكافأة تليفزيونية فى صورة برنامج، نظير رئاسته صحيفة مملوكة لمالك القناة التليفزيونية، أو صحفية أثارت من الشغب والضوضاء، بما جعل القائمين على هذه القنوات يخشون بأسها، أو نظير خدمات قدّمها للأجهزة الأمنية فى ذاك العهد القديم، كل هؤلاء جاءوا من مواقع حققوا فيها تميّزاً، وجدارة لأنهم أتقنوا مهنة النقض، وأجادوا القدرة على ضرب الخصم فى مقتل، فهم قوة هجومية نادرة، تستطيع أن تجهز على الخصم، وتضربه الضربة القاضية، ضربةً ترديه فى التو واللحظة، فهم بارعون فى الهدم والتدمير، يملكون من المهارات الذهنية، والنفسية ما يستطيعون به إجهاض حجة الخصم، وإفشاله، ويملكون من المهارات النفسية ما لا تملكه أى «ردّاحة» فى حارة، ويملكون من قواميس لغة الشوارع، والمناكفات اللفظية ما لا تملكه راقصة شعبية لم تحصل على أجرها بعد وصلة رقص طويلة فى فرح.

لقد استطاع هؤلاء بنجاح نادر، يستحق الدراسة، طوال السنوات الماضية الانتقال من تبرير كل أفعال نظام «مبارك»، إلى حالة ثورية يتعلم منها جيفارا، وفرانز فانون، ومالكوم إكس، أصبحوا ثواراً وكأنهم لم يرضعوا لبناً، وإنما ثورةً، وكأنهم هم من صنع ثورات العالم، وتقمّصوا الدور حتى ذابوا فيه، وأصبحوا لا يستطيعون القيام بأى شىء غيره، وأصبح النقد عندهم هو المهارة التى يجدون أنفسهم فيها، وهذا طبيعى بعد أن عاشوا دهرا مطبلين مصفقين للحزب الوطنى ورجاله، حتى تحرّرت نفوسهم من حالة الاستعباد، ووجدوا الحالة الثورية تقدم لهم رد اعتبار معنوياً واجتماعياً، وفى الوقت نفسه تدر دخلاً مالياً أكبر، وهذا هو الهدف الأسمى.

لكن فى مرحلة مثل التى تمر بها مصر حالياً، هل يستطيع هؤلاء الإعلاميون أن يمارسوا النقد الموضوعى، أى النقد البناء؟ هل يستطيعون التوقف عن غريزة الهدم التى ترسّخت فى نفوسهم، وأصبحت مصدراً لنجوميتهم ودخولهم؟ هل يستطيعون ممارسة النقد مع البناء، وليس النقد مع النقض؟ هل يستطيعون أن يُبرزوا نقاط القوة فى المجتمع؟ هل يستطيعون أن يديروا حواراً دون توتر أو صوت مرتفع، أو تجريح؟ هل يستطيعون تقديم مبدعين ومخترعين ونقاط مضيئة فى المجتمع، بدلاً من الجرائم والمصائب والمشكلات؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى المعضلة الإعلامية فى المعضلة الإعلامية



GMT 07:23 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 05:23 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 06:34 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 05:38 2017 الخميس ,16 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 06:07 2017 الثلاثاء ,14 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia