المواطن والوطن الذي نريد

المواطن والوطن الذي نريد

المواطن والوطن الذي نريد

 تونس اليوم -

المواطن والوطن الذي نريد

معتز بالله عبد الفتاح

ربط الأستاذ أيمن الصياد بين مقالى المعنون «المواطن الذى نريد» بمقال سابق له بعنوان «الوطن الذى نريد». وعندى أنهما مدخلان متلازمان يؤدى أحدهما بالضرورة إلى الآخر. يقول الأستاذ أيمن: وطنٌ يحترم دستوره وجميع أبنائه، ويعدل بينهم، مهما اختلفت آراؤهم أو «معتقداتهم» أوحالتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، ويعرف أن الفارق بين الديمقراطية والشمولية هو فى إدراك أن حكم الأغلبية غير مطلق، بل مقيدٌ بحقوق الآخرين.

وطنٌ يحكمه القانون، لا «التحريات الأمنية» التى قد تخطئ أو تصيب. وطن لا مجال فيه لنظام يسمح بأن يحدث فيه ما حدث لخالد سعيد أو سيد بلال الذى أُخذ يوماً مظلوماً بلحيته، (والأمثلة صارت كثيرة بحيث يتعذر أن تحصى أو تُعد). كما لا يسمح أيضاً بثقافة مريضة تدفع هذا أو ذاك إلى أن يظن أن طريق الجنة يمر بتفجير يستهدف أبرياء مهما كان المبرر.

وطن لا يسمح بنظام يقوم على «توريث» فج للمناصب والنفوذ. وينتحر فيه شاب متفوق بعد أن فشل فى أن يأخذ حقه فى أن يكون دبلوماسياً، لا لسبب إلا لأنه ابن لمزارع بسيط فى دولة أنشأها ابن لساعى بريد اسمه جمال عبدالناصر.

وطنٌ لا مجال فيه لنظام يستخدم الدين «استقواءً» فى مواجهة خصومه، كما لا مجال فيه لاستحضار الدين «الذى هو مقدس» إلى غير ساحاته؛ مزايدة أو تحريضاً بالزعم مثلاً بأن تصويتاً بعينه هو الطريق إلى الجنة. أو بوصف «خلاف سياسى» بأنه معركة بين الدين «وأعدائه».

وطنٌ يعيش تحديات عصره لا معارك ماضٍ يستحضر أجواءه متاجرون أو مغامرون أو غافلون عن تحديات المستقبل الحقيقية.

وطنٌ يدرك القائمون عليه أن إصلاح المؤسسات «أمنية أو قضائية أو إعلامية» مطلوب وضرورى، ولكنه لا يعنى أبداً هدمها أو تغيير ولاءاتها. كما لا يعنى بالتأكيد استهداف العاملين فيها (الذين هم مصريون فى نهاية المطاف) بالسلاح أو التفجيرات.

وطن يعرف قيمة أن يكون «القضاء مستقلاً»، فلا يسمح بنظام تتحكم فيه السلطة التنفيذية بالقضاء؛ إن بسيف المعز أو بذهبه. أو أن يحُال الناسُ فيه إلى غير قاضيهم الطبيعى.

وطنٌ يجيد القائمون عليه قراءة تجارب الآخرين التى تقول بأن هناك «شروطا» لإنجاح مراحل التحول الكبرى فيما بعد الثورات. وهى الشروط أو المتطلبات الخمسة التى سمّتها كتب السياسة بتدابير «العدالة الانتقالية» TRANSITIONAL JUSTICE والتى أشرنا إليها هنا تفصيلاً غير مرة، والتى تهدف فى نهاية المطاف إلى انتقال آمن «وسلمى» لمجتمع ديمقراطى حقيقى، يشعر فيه الناس «جميعهم» بالعدالة والمساواة. ولا تسمح قواعده بتكرار الانتهاكات التى جرت فى الماضى وثار بسببها الناس.

وطنٌ يدرك مسئولوه أن «لا دولة قوية دون معارضة قوية»، وأن ما جرى لـ٢٥ يناير من انتكاسة، لم يكن إلا بسبب تجريف الحياة السياسية» (والتعبير للأستاذ هيكل) قام به بدأب نظام مبارك بالقضاء الممنهج على المعارضة، عنتاً وقمعاً وتدجيناً.

وطنٌ يقرأ الغافلون فيه جيداً معنى التعبير العفوى لتغريدة كتبها شاب يوماً على موقع التواصل الاجتماعى تويتر: «الله.. الوطن.. الهجرة»، كما التعليقات عليها.

هذه هى ملامح الوطن «الذى نريد» والتى أخشى أن ينساها أولئك المستدعون/ المطمئنون لمقولات الاستبداد القديمة، سواء تدثرت برداء دينى أو وطنى، أو اختفت مكراً خلف صفوف هذا أو ذاك. لا فارق. فالاستبداد هو الاستبداد، سواء وصفه الكواكبى أو HOBBES، وسواء تبناه طاغيةٌ، أو معتقدٌ بأن فيه صالح البلاد والعباد. فكما أن المفسدين فى الأرض يظنون أن ما يفعلونه حسناً، قائلين «إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ»، كذلك تعلمنا أن الطريق إلى جهنم مفروش أحياناً بالنيّات الطيبة.

أتعرفون قيمة لحظة ١١ فبراير العبقرية التى أضعناها؟

أن كل من فى الميدان يومها كان يشعر بأن هذا «وطنه» الذى عليه أن يعمل من أجله.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المواطن والوطن الذي نريد المواطن والوطن الذي نريد



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia