معتز بالله عبد الفتاح
قد يبدو السؤال الوارد فى العنوان مضللًا، لأن روسيا يمكن أن تكون مع الأسد وضد داعش فى الوقت نفسه. ولكن السؤال هو: كيف سيكون الحال لو أنها كان عليها أن تختار أن تتخلص من الاثنين معاً: داعش والأسد. كتب طارق الحميد فى «الشرق الأوسط» عن معضلة الحرب المركبة والمتداخلة فى سوريا، مشيراً إلى أن لحظة ارتباك انتابت كل الأطراف فى أعقاب التدخل العسكرى الروسى فى سوريا.
الجميع كان يحاول فهم أبعاد التدخل الروسى، بينما كانت روسيا نفسها تحاول إيجاد صيغة مقنعة، وتبرير منطقى للتدخل يجعلها تحظى بدعم دولى، اليوم يبدو أن الرؤية باتت تتشكل بشكل أوضح.
اليوم هناك الإصرار السعودى على أن لا مكان للأسد، ولا دور لإيران التى تعتبر جزءاً من المشكلة وليس الحل، والجمعة الماضى قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما إنه ليس هناك تقارب فى الأفكار مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حول استمرار حكم الأسد، وإن الأزمة السورية يمكن أن تنتهى فقط بحل سياسى يؤدى إلى حكومة شاملة جديدة، وهذا هو الرأى الفرنسى والبريطانى أيضاً. وإلى اللحظة لا يبدو أن هناك حواراً دبلوماسياً جاداً بين الحلفاء مع الروس، وإنما هناك حوار مختلف يتم ملاحظته على الأرض.
الملاحظ الآن أن هناك دعماً للمعارضة السورية المعتدلة بالسلاح، وتحديداً الجيش السورى الحر، ومن ينطوى تحته، وذلك ليس لتغيير معادلة على الأرض، بمعنى إسقاط الأسد، وإنما للحد من إعادة تمدد قواته، وقوات الميليشيا الشيعية التى ترسلها إيران للدفاع عنه. اليوم هناك صواريخ مضادة للدبابات باتت تعطَى للمعارضة، وذخيرة، كما بات ملاحظاً الخسائر التى مُنيت بها إيران، وحزب الله، على مستوى مقتل قيادات عسكرية بارزة فى الميدان، وما زال مقتلهم يثير تساؤلات جادة، خصوصاً أنهم قيادات مؤثرة، وبارزة، ولافتة جداً عملية مقتلهم بظرف أسبوع واحد، ورغم نشوة الأسد وإيران وحزب الله بالتدخل الروسى!
هذا الحوار الجديد على الأرض مع روسيا واضح أنه يراد منه عدم منح الروس والأسد فرصة لتغيير المعادلة على الأرض بشكل سريع، كما أنه يظهر قلق الحلفاء فى سوريا من تكرار تجربة أفغانستان، وهو الأمر الخطر حدوثه. ويبدو أن هذا الحوار العسكرى على الأرض، هو ما دفع رئيس الوزراء الروسى ديمترى ميدفيديف إلى أن يناقض كل الطرح الروسى منذ التدخل بسوريا، حيث قيل وقتها إن هدف التدخل هو دحر «داعش»، ثم قيل لإنقاذ الأسد، بينما يقول ميدفيديف الآن، وفى حوار مع قناة تليفزيونية روسية، إنه «لا يهم حقيقة من يكون فى الرئاسة. لا نريد أن يدير تنظيم داعش سوريا.. أليس كذلك؟ يجب أن تكون حكومة متحضرة وشرعية. هذا هو ما نحتاج أن نناقشه». وقال رئيس الوزراء الروسى رداً على سؤال حول ما إذا كانت سوريا يجب أن يحكمها الأسد، بقوله: «لا بالطبع، لا. الأمر يرجع إلى الشعب السورى لتقرير من يكون رئيساً لسوريا.. فى الوقت الحالى نعمل على أساس أن الأسد هو الرئيس الشرعى».
هنا قد يقول قائل إن حديث ميدفيديف فضفاض، وهذا صحيح لكنه يظهر تناقض الروس، ويثبت أن الحوار مع الروس الآن بات على الأرض، وليس فى أروقة القاعات.