فسادنا وإفسادنا

فسادنا وإفسادنا

فسادنا وإفسادنا

 تونس اليوم -

فسادنا وإفسادنا

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

قلت من قبل إن الفساد فى مصر أنواع ودرجات، وبعضه محمى بالقانون ومتفق معه، لكن الفاسدين والمفسدين ليسوا سواء، بعضهم أقل ضرراً من بعض، حتى وإن تساووا فى الوصف بأنهم فاسدون.

تخيلوا معى لو أننا بصدد بناء مدرسة أو مطار أو أى مرفق عام، سنكون أمام أربعة احتمالات كبرى لفساد الفاسدين:

الاحتمال الأول: أن يتم بناء المطار بجودة عالية وبسعر مناسب، ولكن الفاسد حاول تحقيق مكسب شخصى بالحصول على امتيازات خاصة أو سمسرة دون الإضرار المباشر بالخدمة المقدمة للبلد، وهذه أقل درجات الفساد.

الاحتمال الثانى: أن يتم بناء المطار بجودة عالية ولكن بسعر مبالغ فيه يجعل الفاسد يستفيد من فارق السعر لشخصه.

الاحتمال الثالث: أن يبنى المطار بجودة أقل من الجودة المطلوبة أو ربما ببعض الأخطاء ويحصل الفاسد على امتيازات خاصة أو سمسرة مع ضرر شديد بالبلاد.

الاحتمال الرابع: ألا يتم بناء المطار أصلاً، أو يتم بناء كيان شكله شكل المطار ولكنه من الناحية الفعلية لا يوجد مطار ويتحصل الفاسد على أموال أو سمسرة بما يضر البلاد ضرراً بالغاً من أجل تحقيق مصالح شخصية حتى على حساب الوطن.

بطبيعة الحال، فالفاسدون، على كل الاحتمالات السابقة، يبررون لأنفسهم دائماً سوء أعمالهم، ويرون فى أنفسهم أنهم مظلومون وأصحاب حق وأن فسادهم ليس فساداً أصلاً، وربما يستغلون ثغرات فى القانون بل قد يجدون من يتعاطفون معهم، لأن الفساد يخلق ثقافته التى تغذيه وتدعمه، ومحاربة ثقافة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة أفعال الفساد نفسه. أما الفساد فى الديمقراطيات فهو فساد استغلال الوظيفة العامة حتى لو لم تكن هناك مخالفة صريحة للقانون، بدليل أنك من الممكن ألا تخالف أى قانون، ولكن يمكن منعك من ممارسة بعض صلاحياتك كموظف عام أو محاسبتك بسبب «إعطاء انطباع للآخرين عن استغلال المنصب».. إى والله، يمكن أن يُحاسَب المسئول فى الولايات المتحدة مثلاً ليس لأنه استغل منصبه، ولكن لأنه أعطى انطباعاً، حتى لو كان على غير أساس، أنه استغل منصبه، لأن ذلك يخلق ثقافة تبرر الفساد للآخرين على أساس معلومة كاذبة بأن فلاناً استغل منصبه لتحقيق مصالح خاصة، ولنطالع ما جاء فى الأمر الرئاسى رقم 11222 لعام 1965 الموقَّع من الرئيس ليندن جونسون الذى يقضى بأنه «يَحرُم على أى موظف عام أن يتصرف على نحو يؤدى إلى أو يخلق الانطباع (create the appearance of) بأنه يستغل المنصب العام لتحقيق مصلحة شخصية أو أنه يعطى أى معاملة تفضيلية لأى منظمة أو شخص، أو أنه يعيق كفاءة العمل الحكومى أو اقتصاد الدولة، أو اتخاذ قرارات حكومية خارج الإطار الرسمى للدولة، أو ينال من ثقة المواطنين فى نزاهة جهاز العمل الحكومى»، وغير ذلك كثير.

إن ملف الفساد واحد من أخطر الملفات على مكتب الرئيس، وعليه أن يتعامل معه بحذر وحرص، لأن الفساد فى مصر قوى وممتد ومنتشر فى الفضاء العام، والأهم فى ثقافة المصريين تحت مسميات مختلفة. تجارب دول أوروبا الشرقية فى مكافحة الفساد بإنشاء مفوضيات خاصة لهذا الغرض كانت ناجحة لحد بعيد، ليس فقط فى إدخال تعديلات تشريعية لسد ثغرات الفساد، ولكن كذلك لخلق ثقافة مضادة للفساد بأشكاله المختلفة، هذه مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة.

وأهم درس من دروس محاربة الفساد، ألا تدخل فى معركة ممتدة مع الفساد والفاسدين فى كل القطاعات، اختَر معاركك وابدأ بالفساد الأكبر بطريقة مباغتة، واكشف عناصر الفساد القائمة حتى تكتسب إجراءات محاربة الفساد مصداقية وشعبية وشرعية.

الفاسدون يُقوِّى بعضهم بعضاً، وقد يتآمرون ضد من يحاربهم لانقاص شرعيته والنَّيل من مصداقيته.

الحرب على الفساد تحتاج تخطيطاً لا يقل عن التخطيط للمعارك العسكرية الكبرى.

المصدر : صحيفة الوطن

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فسادنا وإفسادنا فسادنا وإفسادنا



GMT 07:23 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 05:23 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 06:34 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 05:38 2017 الخميس ,16 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 06:07 2017 الثلاثاء ,14 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia