ماذا يريد الثورجية فى 30 يونيو

ماذا يريد الثورجية فى 30 يونيو؟

ماذا يريد الثورجية فى 30 يونيو؟

 تونس اليوم -

ماذا يريد الثورجية فى 30 يونيو

معتز بالله عبد الفتاح

بمناسبة «30 يونيو» المقبل، أكتب هذا الكلام.

تسجيل المواقف العنترية بعيداً عن الحلول العملية يصنع بطولات زائفة كالبلونة المنفوخة لا تلبث أن تطير فى الهواء، لأن داخلها «هوى».

أضاع الثورجية فرصتهم، لأنهم لم يكونوا ثائرين من أجل الوطن، وإنما كانوا أصحاب مصالح ضيقة يرون فيها أنفسهم فى المقدمة على حساب مصالح من يدّعون أنهم يدافعون عنهم من الفئات الكادحة. وهناك فارق بين الثائر الذى يعلم حدود الثورة، وبين الثورجى الذى اتخذ الثورة مهنة يرتزق منها ويحقق من خلالها مكاسب مادية أو ذاته المعنوية، حتى لو على حساب الوطن.

تعاطف أغلب المصريين مع رموز ثورة يناير تراجع، ليس بسبب الحملة الإعلامية التى تشن عليهم فقط، ولكن لأمراض بنيوية فى تركيبتهم، انعكست فى أخطاء كارثية وقعوا فيها.

لذا فإن رهانهم الحالى على أن الشعب سينتفض مرة أخرى ضد السلطة الحاكمة هو تعبير آخر عن المرض نفسه: يرون مصر فى خدمة الثورة، وليس الثورة فى خدمة مصر، يرون المصريين فى خدمة الثوار، وليس الثوار فى خدمة المصريين.

لو كان الثورجية جادين فى خدمة مصر والمصريين، فليفكروا أولاً فى كم الأخطاء التى ارتكبوها.

يمكن لى أن أساعدهم فى تلمس بعضها لأننى أتذكر كيف أن بعضهم هاجمنى حين اختلفت معهم، لأننى لم أكن على نفس درجة «النقاء الثورى» الذى كانوا يدعونه، فى حين أنهم أضاعوا الثورة بسوء تقديرهم.

أخطاؤهم، أولاً، فى رفض البناء على دستور 1971 ورفعهم الشعار الساذج بـ«لا لترقيع الدستور» وكأن عشرات الدول التى عدلت دساتيرها السابقة بعد ثوراتها لم يكونوا على نفس درجة «الوعى الثورى» عند هؤلاء. رفضوا دستوراً كان ينص على حظر قيام أحزاب على أساس دينى أو بمرجعية دينية، وكانت هذه أكبر مشاكلهم مع الإخوان، لكنهم قالوا «لا» ضد مصلحتهم، وبعد أن قالت «الصناديق نعم» على رأى أحد قيادات التيار الدينى، لم يحترموا إرادة الشعب ولم يستفيدوا من الفرصة المتاحة، لكنهم لجأوا للبيروقراطية (العسكرية) على حساب الديمقراطية (الشعبية)، فصدر الإعلان الدستورى فى مارس 2011، فى أول واقعة تؤكد أنهم ينظرون إلى الشعب باحتقار، وينظرون إلى الديمقراطية باحتكار.

والسؤال لهم الآن: هل الدستور الحالى أفضل من دستور 1971؟ أم كان من الأفضل تعديل ما يحتاج إلى تعديل فى دستور 1971 مثلما فعلت إندونيسيا بعد ثورة 1998؟ أو تبنى دستور مؤقت لمدة 5 أو 10 سنوات مثلما فعلت جنوب أفريقيا؟ أم أنتم نخبة ثورجية لا تقرأ ولا تفهم ولا تفكر إلا فى ما يخدم مصلحتها الضيقة؟

أخطاؤهم، ثانياً، حين رحب بعضهم بخروج بعض الضباط على قيادات القوات المسلحة، فى ما عُرف بضباط «8 أبريل»، وبما يثبت أنهم لا يعرفون الفرق بين إسقاط «النظام» وإسقاط «الدولة». وحين كتبت آنذاك مقالاً بعنوان: «آخر عمود فى البيت»، وكنت أقصد بذلك القوات المسلحة، التى لا ينبغى أن تنقسم رأسياً أو أفقياً وإلا ندمر بلدنا. قال العقلاء آنذاك، إن إصلاح مؤسسات الدولة الراسخة فى القدم مثل القضاء أو الجيش أو الشرطة أو الإعلام يكون من داخلها وليس من خارجها. من خارجها يمكن أن تدمرها.. لكن من داخلها يمكن إصلاحها. ولذا دعوت الثوار إلى أن ينتقلوا من مرحلة التطهير إلى التطوير، من الميدان إلى البرلمان والديوان. ولكن هيهات رفعوا شعارات تروتسكية بالية من قبيل «الثورة مستمرة» وكأنهم يريدون أن تكون «عملية جراحية مستمرة»، لأنه طالما أن العملية الجراحية مستمرة، فالثوار على شاشات التليفزيون وعلى موائد السياسة. لكن لو توقفت الفعاليات الثورية وبدأنا نصلح ونبنى ونعمّر، ستتراجع حظوظهم، وينكشف حجمهم أمام ناخبيهم. وكتبت فى هذا محذراً إياهم، فهاجوا علىّ وكأننا وضعت المرآة أمام الوجه القبيح لبعض من يدّعون الثورة، وهم لا يعرفون من أدبياتها ولا آلياتها، إلا الوقوف فى الشارع وقطع الطرق والاعتصام والمظاهرات، حتى لو كان كل ذلك على حساب صالح من يدّعون أنهم يدافعون عنهم.

أخطاؤهم، ثالثهم، حين قالت لهم الإدارة العسكرية، بعد استشارة المحكمة الدستورية، وكنت حاضراً بعض هذه الاجتماعات، بأن انتخابات مجلس الشعب فى 2012 ستكون غير دستورية إذا كانت نسبة القوائم أكثر من نصف المقاعد، لكنهم قرأوا المشهد، وكأن الثورة أقوى من الدولة. ولما ظهرت النتيجة، وكان مجلساً هزلياً، حكمت المحكمة الدستورية بحل المجلس، فرحّبوا بقرار المحكمة، وكأنهم سعداء بحل مجلس رسبوا فيه وامتنوا لإهدار الإرادة الشعبية مرة أخرى، مع أنهم كانوا السبب فى ذلك.

أخطاؤهم رابعاً، حين نزلوا الانتخابات الرئاسية منقسمين، ينافس بعضهم بعضاً، فانتهى أغلب الناس إلى التصويت لمرشح النظام القديم ولمرشح «التنظيم» العتيق. قيل آنذاك لو اتحدتم، فستنتصر الثورة. ولو انقسمتم، فالثورة ستضيع منكم وستندمون. فانقسموا وأحسنوا تفتيت الأصوات وخدموا خصومهم السياسيين. فظهرت جماعة «عاصرى الليمون» الذين قبلوا أن يقفوا وراء مرشح الإخوان، على أمل أن يكون هو الأمل الأخير للثورة، فحشدوا له 8 ملايين صوت أضيفت إلى 5 ملايين صوت حصل عليها الدكتور محمد مرسى فى الجولة الأولى ليفوز فى النهاية. ولو فاز الفريق أحمد شفيق فى يونيو 2012 بالرئاسة لحدث فى شوارع مصر ما حدث فى 30 يونيو 2013 من رفض للرئيس الجديد.

أعطى الإخوان فرصتهم كاملة، لكنهم جاعوا، أكلوا، زوروا، شرقوا، ماتوا. وخرج عليهم من أيدهم. وحشد هؤلاء الثائرون مرة أخرى الناس ضد الدكتور مرسى ومن معه، بسبب سوء سلوك هؤلاء السياسى وضعف بصيرتهم الاستراتيجية. لم أدع إلى ثورة فى 30 يونيو، ولم أحشد أبداً الناس فى الشوارع لمطلب سياسى، لأننى ببساطة لا أثق فى معظم السياسيين المصريين: لا أثق فى سلامة القصد عند بعضهم، ولا أثق فى رجاحة العقل عند معظمهم.

والسؤال: هل سيثق الشعب فى الثائرين مرة أخرى؟ قال وزير الدفاع فى 3 يوليو 2013 إنه يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وكنت أؤيد ذلك تماماً، ولينزل فيها من الإخوان من ينزل. ولكن علينا أن نحترم إرادة الناس الذين نزلوا فى الانتخابات 5 مرات، وكل مرة نهدر إرادتهم تحت أسباب مختلفة، بعضها سياسى وبعضها وطنى. فخرج من الثائرين من يقول: «الدستور أولاً» مرة أخرى. وكأن «الدستور أولاً» هذه ستحل كل مشاكل مصر، أو حتى بعضها. وأرجو الرجوع إلى مقالى المتواضع من يومين عن أحوال أهلنا فى تونس ممن يعانون معاناة هائلة، ولم ينفعهم دستورهم الذى يريد الكثيرون منهم تعديل الكثير من مواده الآن. والسؤال: إيه أخباركم الآن؟ سعداء بدستور 2014؟

وحين تدحرجت كرة الحكم الملتهبة إلى المؤسسة العسكرية، غضب الثائرون وقالوا عنه «انقلاب». وعادوا يرفعون شعاراتهم الأثيرة: «يسقط يسقط حكم العسكر». والسؤال: طيب بفرض أنه حكم عسكر، هل أنتم جاهزون للحكم إن سقط أم سيعود الإخوان مرة أخرى إلى السلطة؟ هل تعلمتم شيئاً من أخطائكم؟ هل بينكم من يستطيع أن يتحمّل المسئولية؟ هل أغلب المجتمع سيعطيكم أصواته؟ أم ستأخذون المجتمع رهائن، لأنكم قادرون على «الحشد»؟

العاقل لا يضع نفسه أمام القطار، ويطلب من الآخرين التعاطف معه. القطار فى مصر، كحال مصر، مندفع، بلا فرامل، يسير على قضبان صدئة. موتكم وسجنكم وقمعكم لن يفيد الوطن فى شىء، ولكن حاولوا أن تجعلوا لأنفسكم أرضية بين الناس واستغلوا المتاح من فرص العمل السياسى كى يثق غيركم فيكم، وحتى تستطيعوا إصلاحه من داخله. ارجعوا إلى أدبيات «جرامشى» عن حرب المواقع وحرب المناورة، لو كنتم تقرأون.

ما كنت أقوله وأكتبه شخصياً فى 2005 حتى 2011 من أجل إصلاح أحوال مصر مطالباً بالديمقراطية والليبرالية والحكم الرشيد، مضطر أن أؤجله الآن. آنذاك كانت هناك «دولة» حتى لو كانت خربة أو هشّة أو فاسدة. لكن بفضل القرارات الثورية «العظيمة» التى اتخذها أنصار «التثور اللاإرادى»، مرضت الدولة أكثر مما كانت عليه. وأصبحت محاطة بميليشيات على حدودها، ومصابة بأمراض فى تركيبتها. مصر ليست بحاجة إلى ثورة شعبية جديدة. مصر بحاجة إلى ثورة أخلاقية وفكرية وعلمية، بالنقد وليس بالنقض، بالمعارضة الوطنية البناءة، وليس بهدم الوطن تحت شعارات رنّانة أقرب إلى فقاعات الهواء. الإصلاح أصعب من الثورة، والبناء أصعب من الهدم، لو كانوا يعلمون.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا يريد الثورجية فى 30 يونيو ماذا يريد الثورجية فى 30 يونيو



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia