سيناريوهات «الدولة» في المنطقة وجوداً وعدماً

سيناريوهات «الدولة» في المنطقة: وجوداً وعدماً

سيناريوهات «الدولة» في المنطقة: وجوداً وعدماً

 تونس اليوم -

سيناريوهات «الدولة» في المنطقة وجوداً وعدماً

معتز بالله عبد الفتاح

لفت نظرى مقال للكاتب الأمريكى توماس فريدمان نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان «الحلول المتعدّدة للشرق الأوسط»، استهله قائلاً إن المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة الأمريكية بحاجة إلى الكف عن التفوهّ بعباراتهم المبتذلة المعتادة حول ضرورة الوقوف مع الحلفاء الإسرائيليين والعرب السنة، لأن الرئيس القادم للولايات المتحدة سيضطر إلى التعامل مع شرق أوسط مختلف تماماً. إذ سيقوم الشرق الأوسط على صراع على حل الدولة الواحدة، وحل انعدام الدولة، وحل اللادولة، وحل الدولة المارقة. وسيظهر حل الدولة الواحدة فى إسرائيل (ويقصد بذلك دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين)، وحل انعدام الدولة (أى الدولة القمعية التى تتحول إلى دولة فاشلة بسبب الحروب الأهلية وغياب سلطة مركزية ذات سيادة) فى سوريا واليمن وليبيا، وحل اللادولة فى الخلافة الإسلامية لـ«داعش»، (وهو وضع تزعم فيه (داعش) لنفسها الحق فى الوجود، لكن أحداً من جيرانها يقبل بها)، وحل الدولة المارقة فى إيران.

ففى إسرائيل، يقول «فريدمان»، إن عملية السلام انتهت، لذا يجب التوقف عن تقديم مقترحات لنهج لحل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إذ سيضطر الرئيس الأمريكى القادم إلى التعامل مع إسرائيل، عازمة على فرض احتلال دائم على جميع الأراضى الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، بما فى ذلك منطقة الضفة الغربية، حيث يعيش 2.5 مليون فلسطينى. ويشير الكاتب إلى أنه من الصعب تحديد من وجّه الضربة القاتلة لعملية السلام: فهل هم المستوطنون اليهود المتعصّبون العازمون على مواصلة توسيع وجودهم فى الضفة الغربية والقادرون على كبح أى سياسى أو ضابط بالجيش الإسرائيلى يعارض أفكارهم؟ أم الأثرياء اليمينيون اليهود، كشيلدون أديلسون، الذين استخدموا نفوذهم لصد أى انتقاد فى الكونجرس الأمريكى ضد بنيامين نتنياهو؟ أم هل هو «نتنياهو» نفسه الذى لا يسبق شهوته للتمسك بمقعد السلطة سوى افتقاره إلى الخيال اللازم لإيجاد وسيلة آمنة للانفصال عن الفلسطينيين؟ ويبدو أن «نتنياهو» قد نال مراده؛ فهو اليوم يُعد شخصية تاريخية لكونه مؤسس حل الدولة الواحدة. وتشاركه حركة حماس فى تحقيق هذا الإنجاز؛ حيث إنها كرّست جميع مواردها لحفر الأنفاق بُغية مهاجمة الإسرائيليين من قطاع غزة، بدلاً من تحويل غزة إلى «سنغافورة فلسطين». وعندما أطلقت «حماس» صاروخاً بالقرب من مطار تل أبيب، مما دفع الولايات المتحدة لوقف جميع الرحلات الجوية الأمريكية إلى المطار لمدة يوم واحد، بعثت بذلك رسالة إلى جميع الإسرائيليين، سواء من الحمائم أو من الصقور، حول ما الذى يمكن أن يحدث إذا تنازلوا عن الضفة الغربية. ويقع اللوم أيضاً على الرئيس الفلسطينى، محمود عباس، الذى أقال أمهر رؤساء وزرائه، سلام فياض، الذى سعى إلى مكافحة الفساد وإثبات أن الفلسطينيين يستحقون دولتهم من خلال التركيز على بناء المؤسسات، وليس قرارات الأمم المتحدة. وشاركت كل هذه الأطراف فى قتل حل الدولتين وسمحت ببزوغ عهد حل الدولة الواحدة، الذى سينطوى على حرب أهلية منخفضة المستوى ومستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتزايد عزلة إسرائيل فى أوروبا وبعض الجامعات.

وفى تلك الأثناء، سيظل انعدام الدولة فى سوريا، التى يسيطر عليها بشار الأسد وداعموه الروس والإيرانيون بصورة جزئية، بمثابة الجرح الغائر الذى ينزف سيلاً من اللاجئين إلى أوروبا.

ويُعرب الكاتب عن ثقته بأن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يقصف السوريين المناوئين للنظام عمداً، لدفعهم للفرار إلى أوروبا، أملاً فى خلق صدع فى الاتحاد الأوروبى وإجهاد موارده وجعله منافساً أضعف لروسيا، وحليفاً أضعف للولايات المتحدة.

ويلفت الكاتب إلى أن لادولة الخلافة السنية التابعة لـ«داعش» ودولة إيران الشيعية المارقة، ستواصلان تمكين بعضهما البعض، قائلاً إن العرب السنة لن يقوموا أبداً بتدمير «داعش»، طالما أن إيران تتصرّف كدولة شيعية مارقة، وليس كدولة شيعية عادية.

ويختتم الكاتب المقال بالإشارة إلى أنه لا ضرر فى أن يواصل جميع مرشحى الرئاسة الأمريكية المحتمَلين رواياتهم الخيالية حول الشرق الأوسط، لكنهم بحاجة إلى الاستعداد للتعامل مع حقيقة أن الحلفاء والخصوم الأمريكيين هناك لم يعودوا كسابق عهدهم.

قيمة المقال الحقيقية فى أنه يُلفت النظر إلى أن الشرق الأوسط الجديد أصبح أمام أنماط مختلفة من الدولة وشبه الدولة واللادولة.

وهذه الحقيقة، وإن كانت تفرض تصوراً معيناً على السياسة الخارجية الأمريكية مع الرئيس الأمريكى الجديد، فهى أيضاً مسئولية علينا نحن أبناء هذه المنطقة كى ننقذها من عثرتها.

والجزء الأكبر من هذه الأسباب له علاقة بهشاشة بنية الدول العربية من الأصل، ثم هذا الصراع المحموم بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

وقد كانت الولايات المتحدة أصرت منذ أشهر على أنه لا يوجد حل عسكرى للحرب السورية، وإنما حل سياسى يقوم على اتفاق بين الرئيس بشار الأسد وجماعات المعارضة المنقسمة التى تحاول الإطاحة به. لكن بعد أيام من القصف المكثف على مدينة حلب ذات الأهمية الاستراتيجية مجدداً، بما قد يجعلها تسقط فى قبضة قوات الرئيس بشار الأسد، قد يُثبت الروس أن الولايات المتحدة لم تكن على صواب. فقد أقر مسئول أمريكى رفيع المستوى أنه ربما يكون هناك حل عسكرى «لكنه لن يكون حلاً أمريكياً»، بل سيكون حلاً روسياً. ويوضح التقرير أن هذا هو المشهد الذى يواجه وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، بينما يبدأ مفاوضات حاسمة بشأن وقف إطلاق النار وإنشاء «ممر إنسانى» لإغاثة السوريين المحاصرين فى أكثر من عشر مدن، ومعظمها من قبَل قوات الرئيس بشار الأسد. ويشير التقرير إلى أن العمل العسكرى الروسى يُغيّر شكل الصراع الذى وصل قبل سنوات إلى طريق مسدود؛ فقد اكتسب «الأسد» وحلفاؤه زخماً متنامياً بشكل مفاجئ، فى حين بات الثوار المدعومون من الولايات المتحدة فى موقف دفاعى ضعيف. وإذا جرى التفاوض على وقف لإطلاق النار فى ميونيخ، فإنه من المحتمل أن يأتى فى وقت يُسيطر فيه «الأسد» على المزيد من الأراضى، ويتمتع فيه بنفوذ أكبر مما كان عليه منذ اندلاع الانتفاضة فى عام 2011. ويلفت التقرير إلى أن «كيرى» يدخل مفاوضات ميونيخ بنفوذ محدود للغاية: فقط قطع الروس الكثير من الممرات التى كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تستخدمها فى جهودها السرية لتسليح جماعات المعارضة السورية، وفقاً لعدد من المسئولين الحاليين والسابقين. ويقول أنصار «كيرى» داخل الإدارة إنه يشعر بإحباط متزايد بشأن المستوى المنخفض للنشاط العسكرى الأمريكى، الذى يرى أنه أمر أساسى لدعم جهود التفاوض. ويخشى زملاؤه فى الإدارة أن جهود بدء العملية السياسية التى دامت أكثر من ثلاثة أشهر توشك على الانهيار، مما سيُرغم «كيرى» والرئيس أوباما على النظر مجدداً فى خطتهما البديلة: جهد عسكرى أوسع نطاقاً موجه ضد «الأسد». لكن هذا هو النوع نفسه من الصراع الذى أمضى الرئيس أوباما السنوات الخمس الماضية، محاولاً تفاديه، خاصة أن أى حملة برية ستعتمد على قوات تقودها مجموعة منقسمة للغاية من زعماء المعارضة الذين لا يحظون بثقته. ويقول المحللون الأمريكيون إنه دون حل سياسى أو جهد عسكرى متصاعد، لن يكون للغرب وحلفاؤه العرب سوى نفوذ محدود على مسار الحرب السورية، لكنها ستعجز أيضاً عن حشد جميع الأطراف المتنازعة معاً لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».

المنطقة فى مأزق كبير.. وأولى خطوات علاج هذا المأزق أن يجتمع الخبراء والمتخصصون للخروج بورقة عمل توضح خريطة الطريق لهذه المنطقة التى لن تخرج مما هى فيه إلا بإدراك أن النار تصيب وستصيب الجميع.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيناريوهات «الدولة» في المنطقة وجوداً وعدماً سيناريوهات «الدولة» في المنطقة وجوداً وعدماً



GMT 09:34 2021 الجمعة ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الخديو المبذر

GMT 16:26 2021 السبت ,25 أيلول / سبتمبر

الجميلة و «الحمارة الكبرى»

GMT 13:04 2021 الجمعة ,10 أيلول / سبتمبر

ثلاث مصريات من لبنان: البحر من ورائها

GMT 14:39 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

تَغيير الحَمَل... كل يوم

GMT 14:28 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

ابنة الزمّار وحسناء الزمان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia