حسن نافعة
يثير تعيين المستشار حاتم بجاتو، وزير دولة للشؤون النيابية، أسئلة لا حصر لها، خصوصاً أنه سبق للرجل أن شغل مواقع قضائية وسياسية «وطنية» حساسة. فعلى الصعيد القضائى سبق للمستشار بجاتو أن شغل منصب رئيس هيئة المفوضين، ثم نائباً لرئيس المحكمة الدستورية العليا، التى لم يُخْفِ رئيس الدولة أبداً مشاعره غير الودية تجاهها، بل اتخذ إزاءها مواقف معادية صريحة وواضحة. أما على الصعيد السياسى «الوطنى» فقد سبق للرجل أن شغل منصب أمين اللجنة العليا التى أشرفت على الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التى فاز فيها الدكتور مرسى، والتى لاتزال نتائجها الرسمية المعلنة تثير جدلًا واسع النطاق. ولأننى لا أملك معلومات موثقة عن حقيقة الأسباب التى حدت بالجماعة لعرض منصب وزارى على المستشار بجاتو، ولا عن حقيقة الأسباب التى حدت بالمستشار بجاتو لقبول هذا العرض، فليس لدىّ من وسيلة أخرى لإماطة اللثام عن هذا اللغز سوى محاولة إعمال أدوات التحليل العلمى، لاستقراء ما هو ظاهر على سطح الحياة السياسية فى مصر فى تلك المرحلة الصعبة والمعقدة.
دعونا، قبل الخوض فى تفاصيل هذا الموضوع، نتفق ابتداء على أمرين أساسيين:
الأمر الأول: أن تعيين بجاتو فى هذا المنصب الوزارى يعد أمراً مثيراً للشبهات فى حد ذاته، حتى ولو لم يكن هناك ما يحول دون تقلده هذا المنصب من الناحية القانونية، لأنه سيبدو وكأنه مكافأة للرجل على أدوار معينة قام بها لحساب جماعة الإخوان، سواء أثناء عمله فى المحكمة الدستورية العليا أو أثناء عمله فى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.
الأمر الثانى: أن المنصب الوزارى، فى ظروف كتلك التى تمر بها مصر حالياً، لا يضيف إلى صاحبه بقدر ما يخصم من رصيده.
معنى ذلك أنه كان الأَوْلى بجماعة الإخوان (أو رئيس الدولة أو رئيس الوزراء، لا فرق فى الواقع)، كما كان الأَوْلى بالمستشار بجاتو نفسه، أن يكونوا أكثر حذراً فى التعامل مع هذا الموضوع، فيمتنع الإخوان عن عرض هذا المنصب أصلًا على المستشار بجاتو، درءاً للشبهات، وعلى المستشار بجاتو نفسه، حفاظا على سمعته ومكانته، أن يرفض قبول العرض فى حال التقدم به. ومن الطبيعى، فى سياق كهذا، بل من الضرورى ومن المنطقى، أن نتساءل: لماذا تقدمت الجماعة بعرضها، رغم ما يحيط به من محاذير، ولماذا قَبِل المستشار العرض، رغم ما يحيط به من مخاطر؟
للإجابة عن الشق الأول من السؤال، أى الشق المتعلق بالأسباب التى حدَت بجماعة الإخوان للتقدم بهذا العرض، يمكن الانطلاق من افتراضين أساسيين: الأول يرتكز على توافر حسن النية، والثانى يرتكز على التسليم بسوء النية. فإذا افترضنا توافر حسن النية، يمكن القول إن الدافع الأساسى وراء التفكير فى شخصية بمواصفات المستشار بجاتو لشغل منصب وزير الشؤون البرلمانية كان إدراك جماعة الإخوان المسلمين القصور الذى يكتنف الأداء التشريعى لمجلس الشورى، والذى لم يُنتخَب أصلًا لهذا الغرض، ورغبتها فى تحسين منتَجه النهائى، خاصة ما يتعلق منه بمشروعات القوانين التى تخضع لرقابة دستورية مسبقة. أما إذا افترضنا توافر سوء النية، فسوف نكون أكثر ميلًا للاعتقاد بأن المستشار بجاتو كان رجل الإخوان فى المحكمة الدستورية العليا، كما كان رجلها فى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وبالتالى حان أوان مكافأته على ما قدّم من خدمات، خصوصاً أن الحاجة لا تزال ماسّة إلى خدمات من نوع جديد، ولكن من خلال السلطة التنفيذية هذه المرة.
وللإجابة عن الشق الثانى من السؤال، أى الشق المتعلق بالأسباب التى حدَت بالمستشار بجاتو لقبول هذا العرض، فيمكن الانطلاق من نفس الافتراضين السابقين: توافر حسن أو سوء النية. فإذا افترضنا توافر حسن النية، يمكن القول إن الدافع الأساسى للمستشار بجاتو لقبول المنصب كان الرغبة فى الإسهام فى تحسين الأداء التشريعى لمجلس الشورى، خصوصاً أن خبرته السابقة فى العمل بالمحكمة الدستورية العليا تؤهله للقيام بهذا الدور. أما إذا افترضنا توافر سوء النية، فسوف نكون أكثر ميلًا للاعتقاد بأن المستشار بجاتو ليس معنياً إلا بشىء واحد، ألا وهو إشباع طموحاته السياسية، خصوصاً أنه كان أحد القضاة الموثوق بهم من جانب رجال النظام السابق.
وأياً كان الأمر، أتوقع أن يثير تعيين المستشار بجاتو لغطاً كبيراً، خصوصاً أن البعض يعتقد أن هذا التعيين لا يثير الشبهات فقط، ولكن به عوار قانونى أيضاً، وقد يؤثر مستقبلًا على عمل اللجنة العليا للانتخابات. وعلى كل حال فالأيام وحدها كفيلة بحل هذا اللغز.
نقلا عن جريدة المصري اليوم