حسن نافعة
تواجه مصر مأزقا سياسيا لا يمكن الخروج منه إلا بحل سياسى غير تقليدى تقع مسؤولية بلورته تلقائيا على الطرف الممسك بالسلطة والمسؤول عن اتخاذ القرار. وعندما لا يكون لدى هذا الطرف ما يقدمه لشعبه سوى العنف، فليس أمامنا سوى توقع الأسوأ، وهذا هو الدرس الذى يمكن استخلاصه من الطريقة التى تعامل بها النظام الحالى مع واقعة سحل وتعرية المواطن حمادة صابر أمام القصر الرئاسى بواسطة أجهزة الأمن، مساء الجمعة الماضى، فما الذى حدث بالضبط.
شاهد ملايين المواطنين فى مصر والعالم، مساء الجمعة الماضى، مقطعا من شريط فيديو بثته إحدى القنوات الفضائية يصور قيام رجال الأمن بسحل وتعرية أحد المتظاهرين أمام قصر الاتحادية. ولأن هذا المشهد ولد لدى المواطنين شعورا بالصدمة والإحساس بالعار، فقد سارعت وزارة الداخلية بإصدار بيان تقول فيه إن ما حدث «تصرف فردى لا يعبر بأى حال عن عقيدة جموع رجال الشرطة»، وتؤكد أنه «سيكون محل تحقيق»، وأن الوزارة «لا تتستر على أى خطأ أو تجاوز».
فى اليوم التالى صدر عن رئاسة الجمهورية بيان عبرت فيه عن «ألمها من ذلك المقطع الصادم» ووصفت ما وقع بأنه «لا يتفق مع الكرامة الإنسانية أو حقوق الإنسان»، لكنها تبنت فى الوقت نفسه تفسير وزارة الداخلية له، بل وذهبت إلى ما هو أبعد حين حذرت من محاولة استغلال ما وقع قائلة: «ليس مقبولاً من أحد أن يزايد على أخطاء فردية مشجوبة من الجميع ليبرر جريمة الاعتداء على منشآت الدولة، وتبنى أسلوب العنف والتخريب بدلاً من سلمية التعبير عن الرأى». ومع ذلك فقد أكدت الرئاسة بدورها أنها «تتابع التحقيق الفورى فى الواقعة، وتنتظر إعلان النتائج بكل شفافية على الرأى العام، تحقيقاً لأهداف ومكتسبات ثورة 25 يناير المجيدة».
لم يكن لهذه البيانات سوى معنى واحد وهو الاعتراف بوقوع الحادث، والتأكيد على أنه حادث فردى لا يعكس سياسة الدولة، وعمل غير مقبول «يسىء إلى الكرامة وينتهك حقوق الإنسان»، وسيخضع للتحقيق وسيعاقب من ارتكبه، ولا يتعين اتخاذه تكئة لتبرير اللجوء إلى العنف من جانب المتظاهرين. وإلى هنا تبدو الأمور كأنها تسير فى الاتجاه الصحيح.غير أنه سرعان ما تبين أن «ريمة رجعت لعادتها القديمة».
فبعد ساعات من صدور البيان الرئاسى نشرت «بوابة الأهرام» خبرا تؤكد فيه أن حمادة صابر، المتظاهر المسحول أمام قصر الاتحادية، «اعترف بأن المتظاهرين هم الذين اعتدوا عليه بالضرب المبرح»، وأن رجال الأمن المركزى «حاولوا إنقاذه من براثن مثيرى الشغب الذين كانوا على وشك الفتك به، ما تسبب فى تجريده من ملابسه وتمزيقها، وأن الشرطة لم تتعد عليه مطلقا كما أشيع ونشر على بعض القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية». وتذكرنى هذه الرواية بما سبق لوسائل الإعلام المملوكة للدولة أن نشرته حول ملابسات مقتل خالد سعيد فى الإسكندرية عام 2010، حين تحدثت عن «لفافة البانجو» الشهيرة، مما يقطع بعودة «ريمة» إلى عادتها القديمة. فمتى يدرك النظام الحاكم الآن أن مصر كلها تعرت أمام قصر الاتحادية وأنه المسؤول الأول والأخير عن هذا الفعل الإجرامى والفاضح فى الوقت نفسه؟
إذا كان من حق النظام الذى يحكم مصر بعد الثورة أن يطالب بعدم استخدام هذا الحادث مبررا لاستخدام العنف من جانب المتظاهرين، فكيف يستبيح هو لنفسه أن يستخدم عنف المتظاهرين مبررا، ليس فقط لاستخدام العنف المضاد ومواجهة العنف بالعنف، لكن أيضا للجوء إلى أساليب التلفيق والكذب؟ هل يعتقد أن الشعب سيصدق الرواية التى نشرتها «بوابة الأهرام». الشىء المؤكد أن هذه الرواية ستؤكد للشعب قناعته بأن النظام القديم الذى سقط رأسه مازال قائما بجسده وضاربا بجذوره فى الأرض، وأن الرأس الذى يقوده الآن يتصرف بنفس الطريقة وبنفس العقلية.
لقد سبق أن طالبنا مرارا وتكرارا بنبذ العنف، بكل صوره وأشكاله، ومن جميع الأطراف، لكن حين يتواصل العنف والعنف المضاد ويتزايد على هذا النحو، وحين يعيد نظام ما بعد الثورة إنتاج قصة خالد سعيد بطريقة أكثر قبحا، فمعنى ذلك أن مصر باتت قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى دولة فاشلة. فهل يقبل الرئيس مرسى أن يصبح رئيسا لدولة فاشلة بدعوى أن المعارضة هى التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وأن يصبح سياد برى المصرى؟
مصر كلها تعرت أمام القصر الجمهورى ولم يتمكن ساكن القصر من سترها.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"