حسن نافعة
تداولت وسائل الإعلام بالأمس خبراً مفاده أن النائب العام حثّ المواطنين على إلقاء القبض بأنفسهم على كل من يشاهد متلبساً بارتكاب أعمال مخالفة للقانون وتسليمه إلى رجال الشرطة أو إلى «أقرب مأمور ضبط قضائى». وقد استندت النيابة العامة فى تبرير دعوتها هذه إلى المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية التى تنص على ما يلى: «لكل من شاهد الجانى متلبساً بجناية أو جنحة يجوز فيها قانوناً الحبس الاحتياطى، أن يسلمه إلى أقرب رجل من رجال السلطة العامة دون احتياج إلى أمر بضبطه». وأتمنى أن يكون خبراً غير صحيح نظراً لما يمكن أن يترتب عليه من عواقب وخيمة.
لست متخصصاً فى القانون، لكن الأمر لا يحتاج إلى متخصص لإدراك أن المشرع كان حسن النية حين ضمن القانون هذا النص الذى قصد منه التمكين للعدالة الناجزة، بتضييق الخناق على مجرمين يتم ضبطهم متلبسين بواسطة أشخاص لا يملكون سلطة الضبطية القضائية، كى تطولهم يد العدالة بسرعة ولا تتاح أمامهم فرصة للفرار ولو مؤقتاً. ولا بأس من وجود نص كهذا فى قانون الإجراءات الجنائية، شريطة أن يطبق وفقاً لضوابط قانونية سليمة يفترض أن تعاقب أيضاً كل من يقوم بإلقاء القبض على شخص أو احتجازه دون وجه حق، وللحيلولة دون استخدامه كأداة لتحقيق أهداف كيدية أو لتصفية حسابات شخصية. أما حث المواطنين على «تفعيل» نص كهذا، فى ظل أوضاع سياسية مضطربة وغير طبيعية، فأمر لا يثير الدهشة فقط، ولكنه يثير الريبة أيضاً وينطوى على مخاطر جمة.
لم يكن النائب العام قد وجه مثل هذه الدعوة المريبة بعد حين أخذت «ميليشيات» خاصة على عاتقها مهمة فض اعتصام بالقوة من أمام قصر الاتحادية، وإلقاء القبض على مواطنين رأت فى مجرد قيامهم باعتصام سلمى أمام قصر الاتحادية جريمة يعاقب عليها القانون، كما رأت فى عجز أجهزة الشرطة عن التصدى لمن اعتبرتهم من مثيرى الشغب مبرراً يتيح لها، أى للميليشيات الخاصة، حق إلقاء القبض على مواطنين واحتجازهم بل توقيع العقاب عليهم. وقد شاهدنا بالصوت والصورة أثناء «أحداث الاتحادية» مواطنين يضربون ويعذبون، بل يطلق عليهم الرصاص أحياناً بواسطة أشخاص مجهولين. ثم ظهرت جماعة أطلقت على نفسها اسم «بلاك بلوك»، وراجت دعوات لتشكيل ميليشيات مضادة للتصدى لجماعات الإخوان والجهاديين، أو «لجان شعبية» لحماية الأمن العام. ومن الواضح أن جهات كثيرة ليست منزهة عن الهوى، بدأت تتخذ من عجز أجهزة الأمن الرسمية تكأة لتبرير الدعوة لإنشاء «أجهزة أمن شعبية».
حين يوجه النائب العام دعوة لتفعيل المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية فى ظل أوضاع كهذه، فمن الطبيعى أن ننظر إليها باعتبارها دعوة حق يراد بها باطل، نظرا لأنها تنطوى على مخاطر جمة وتمهد الطريق أمام إشاعة الفوضى واندلاع حروب أهلية. وهى دعوة تذكرنى بالفيلسوف البريطانى توماس هوبز، أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر، حين ميّز بين «حالة الطبيعة» التى تصور أنها كانت قائمة قبل ظهور الدولة الحديثة، حيث يسود «قانون الغاب» الذى يتيح لكل شخص أن يحصل على كل ما تستطيع قوته العضلية أو العقلية أن تصل إليه أو تمكنه منه، وبين «حالة المجتمع» التى تنشأ عقب قيام الدولة وظهور سلطة سياسية تحتكر العنف لتحقيق أمن جميع المواطنين، بموجب عقد اجتماعى يبرم بين الحاكم والمحكوم، وتتولى تطبيق القانون العادل على الجميع.
دعوة النائب العام هذه تعيد مصر إلى «حالة الطبيعة» وإلى ما قبل قيام الدولة الحديثة.
نقلا عن جريدة المصري اليوم