دور هائم يبحث عن بطل

دور هائم يبحث عن بطل

دور هائم يبحث عن بطل

 تونس اليوم -

دور هائم يبحث عن بطل

حسن نافعة

يدرك الجميع أن تركة النظام السابق، على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كانت ثقيلة حقًا. فعلى الصعيد السياسى بلغ الاستبداد حدًا أغرى رأس نظام جمهورى ظل فى السلطة لمدة ثلاثين عامًا متواصلة بالعمل على توريثها لابنه من بعده، لابنه الطموح. وعلى الصعيد الاقتصادى تمكنت حفنة من رجال الأعمال المرتبطين بمشروع توريث السلطة من السيطرة على معظم أوجه النشاط الاقتصادى وتوجيهه وجهة استهلاكية وريعية، عجزت عن إحداث طفرة إنتاجية يعتد بها فى القطاعات الصناعية أو الزراعية أو الخدمة. وعلى الصعيد الاجتماعى شاع الفساد، وتصاعدت الفتن الطائفية والدينية، وعم الجهل والفقر والبطالة والمرض، واتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء، وزادت معدلات الجريمة وتنوعت أشكالها ومسبباتها. وعلى الصعيد الثقافى تدنى الإبداع وانتشر الفن الهابط وتدهورت مستويات التعليم والبحث العلمى. ولأن البيئة أصبحت ناضجة لثورة تنتظر من يشعلها، فقد تقدمت الصفوف نخبة رائعة من شباب مصر لتنظيم وقفة احتجاجية يوم 25 يناير، دون أن تدرى أنها تشعل فتيل ثورة انتظرها الشعب طويلا، وكاد جيلى ييأس من اندلاعها فى حياته، فما إن التف الشعب حولها حتى تحولت الوقفة الاحتجاجية إلى ثورة كبرى. على مدى ثمانية عشر يوما متواصلة، بدا الشعب المصرى موحدًا كفرقة موسيقية قررت أن تعزف أروع سيمفونية ثورية فى تاريخ البشر، وانصهر الكل فى واحد: الغنى والفقير، الرجل والمرأة، المسلم والمسيحى، الإخوانى والسلفى والجهادى والليبرالى والاشتراكى والقومى، وبدت مصر فى تلك الأثناء كجسد حى واحد يضم أعضاء متعددة، ولم تسجل خلالها جريمة واحدة ذات شأن، فقد اختفت حوادث الفتنة الطائفية والاغتصاب والنهب الجماعى. لكن ما إن خرج مبارك من المشهد وعهد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد والعباد حتى بدأت كل الأمراض المزمنة والمكتومة فى الأحشاء تطفو على سطح المجتمع. لم يتوقع أحد بالطبع حدوث معجزة تختفى على أثرها كل الأمراض المزمنة، لكن الكل كان يأمل فى أن يشرع أولو الأمر، على الأقل، فى إعداد خطة مدروسة لمعالجة تلك الأمراض وفقا لترتيب مقنع للأولويات، وأن يسبق تنفيذ تلك الخطة عملية مكاشفة تتسم بالشفافية تستهدف تحديد طبيعة حجم التركة البائسة التى خلفها النظام السابق، والتضحيات المرحلية المطلوبة للتخلص منها، وللالتحاق بقطار النهضة.  ولأن الانتظار طال، وراحت عناصر انتهازية مشبوهة لم تجرؤ يوما على قول كلمة حق فى وجه سلطان جائر تظهر تباعا وتحاول ركوب موجة الثورة، بينما راحت النخب التى ساهمت فى صنع الثورة تتكالب للحصول على القسط الأكبر من غنيمتها، فقد بدأ الشعب يفقد صبره وقررت فئات وشرائح اجتماعية وسياسية عديدة أن تتحرك مباشرة للتعبير عن مطالبها الخاصة. وفى سياق تحرك اتسم بكل مظاهر العشوائية والتخبط، بدأت قوى الثورة المضادة فى الداخل والخارج تنظم صفوفها تمهد للانقضاض على الثورة، بإثارة الفوضى وإشعال كل أنواع الفتن الطائفية والاجتماعية والسياسية، وهكذا بدأت دماء المصريين تسيل غزيرة فى أحداث مفتعلة، بدءاً بأحداث إمبابة ومسرح البالون، وانتهاء بأحداث بورسعيد، مرورا بأحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها. ولأن الأطراف المسؤولة عن إدارة الدولة وتصريف المجتمع، سواء فى عهد المجلس العسكرى أو فى عهد مرسى، افتقدت الرؤية الشاملة التى تمكنها من المعالجة الصحيحة لتلك الأحداث، فقد راحت الأخطاء تتراكم الواحد تلو الآخر إلى أن أصبحت البلاد على حافة انفجار شامل. من الطبيعى أن يكون لكل حدث من تلك الأحداث الجسام التى لم تتوقف وسالت فيها دماء المصريين أسبابه المباشرة وملابساته الخاصة، غير أن هذه الأحداث تشترك جميعًا فى جذر واحد ألا وهو غياب الرؤية السياسية القادرة على توحيد قوى الثورة فى مواجهة الثورة المضادة، وعلى إقامة نظام قادر على تحقيق الأهداف التى من أجلها قامت الثورة. فمتى نستوعب الدرس؟ لم تكن مصر بحاجة إلى رجل رشيد يسعى للم شمل قواها الوطنية من جديد وجمعها على كلمة سواء لحماية ثورتها مثلما هى عليه الآن. فهل أبالغ إن قلت إن فى مصر اليوم دورا هائما يبحث عن بطل؟ ومن يجرؤ على تقدم الصفوف ليحظى بشرف القيام به، وإنجاز المهمة التاريخية التى تنتظره؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دور هائم يبحث عن بطل دور هائم يبحث عن بطل



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia